قانون جديد للعمل ضد العمّال!

يؤكد النقابيون أن قانون العمل الجديد المقترح لا يحمي العامل وديمومة عمله، ولذلك هناك ضرورة لإجراء مجموعة تعديلات: أن ينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي وقّعها لبنان أو لم يوقّعها، أن يتلاءم مع تطورات طبيعة العمل، أن لا تنطوي بنوده على تفسيرات مختلفة، وأن يلغي كل أشكال التمييز الجنسي والعمري والمهني

محمد وهبة
يعاني قانون العمل الحالي من ثغر كبيرة تُسهم في خرق ديمومة العمل وتتيح لأصحاب العمل الالتفاف على هذه الحقوق، عبر تأويل بعض البنود وتفسيرها «غبّ الطلب»، فيما بنود أخرى تحتاج إلى توضيح يوقف تزايد الاتساع في الفجوة بين القانون وحقوق العمّال ويوقف تدخل السلطة في إنشاء النقابات وتنظيمها... فهل تمكّن أي من الوزراء المتعاقبين من ترجمة هذه الحاجات؟ وما هي التعديلات التي تحمي العمّال؟ وهل يلبي مشروع قانون العمل الجديد الذي بشّر به الوزير بطرس حرب مطالب العمّال؟ أم يضعهم مجدداً تحت سيف أصحاب العمل؟
كانت الحاجة إلى إجراء تعديلات واسعة على قانون العمل أمراً بديهياً، إذ إن القانون المعمول به موضوع في عام 1946، وبات يعدّ متخلّفاً عن مواكبة تطورات سوق العمل، والاتفاقيات الدولية... في ظل هذه الظروف ألّف وزير العمل آنذاك، أسعد حردان، لجنة تضمّ عملت لأشهر ووضعت مسوّدة مشروع قانون معدّل في 27 نيسان 2002، لكنه لم يُدرس وبقي في الأدراج مدّة طويلة، إلى أن عُيّن بطرس حرب وزيراً للعمل في الحكومة الحالية، فسحبه من الأدراج وألّف لجنة لدرس مدى مطابقته للاتفاقيات الدولية.
بعد ذلك، يقول حرب إنه وقّع المشروع الذي يتضمن تعديلات يفترض أن يدخلها لبنان على قانون العمل بناءً على الاتفاقيات الدولية، ولا سيّما التي وافق عليها مجلس النواب. غير أن المشروع يشمل «أفكاراً جديدة مثل حماية الأحداث، وعمل المرأة، لكن تبقى هناك قضية واحدة عالقة وهي تتعلّق بحقّ الموظفين في إنشاء نقابات. فالأجواء في لبنان لا تسمح بمثل هذا الأمر»... إلا أن خبراء ونقابيين اطّلعوا على مشروع حرب يجزمون بأنه يزيد من أشكال التمييز بحق المرأة العاملة ويعيد تشريع استغلال الأطفال ويعمّق مشكلة انعدام الحماية للعامل عبر الإجازة لصاحب العمل بصرفه من الخدمة على أساس مبررات واهية يمكن تركيبها في أي زمان أو مكان، ومن دون تعويضات عادلة تمثّل رادعاً لصاحب العمل!
لم يفصح حرب عن مضمون التعديلات التي أجرتها اللجنة الأخيرة. فبحسب مصادر متابعة، تمسّكت هذه اللجنة بالمشروع السابق، لكن في الواقع، يقول مشاركون في اللجنة الأولى إن التعديلات تهمل جزءاً أساسياً من مطالب العمال.
فمن أبرز مساوئ قانون العمل أنه يعطي ربّ العمل الحقّ في صرف الأجير تعسّفاً من دون تقديم أسباب موجبة، إذ يشير رئيس الاتحاد العمالي العام، غسان غصن، إلى أن الفقرة (و) من المادة 50 في القانون الحالي، تتيح صرف العامل وفق ادعاءات بلا أدلّة، فتقول إنه «يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوّة قاهرة، أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الإنهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل»، وهذا الأمر يرتّب «على صاحب العمل أن يبلغ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء، تُراعى فيه أقدمية العمّال في المؤسّسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي، وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم».
لذلك، يرى غصن أن هذه الظروف القاهرة أو الظروف الاقتصادية، تمثّل ذريعة دائمة وجاهزة للصرف، «فهي تسمح بصرف العامل فور ادّعاء صاحب العمل أنه يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وليس مجبراً على تقديم أيّ أدلّة». وبحسب المعلومات، فإن مشروع حرب لم يعدّل هذه الوضعية الخطيرة، بل إن المشروع الجديد لم يعالج الثغرة الأهم في القانون الحالي، فلا يذكر أي عقوبة رادعة لصاحب العمل في حال التحايل على القانون وضرب مصالح العمال وديمومة عملهم لتحقيق أرباح غير مشروعة.
لكنّ الخبير النقابي، أديب أبو حبيب، الذي شارك في وضع المشروع المعدّل في 2002، يؤكد أن هناك الكثير من الملاحظات على القانون الحالي وعلى تعديلاته، فبعض المواد تحتمل التأويل على نحو واسع. فعلى سبيل المثال، تقترح المادة 7 وضع تشريع خاص بنظام الموظفين يتعلق بمستخدمي وأجراء الإدارات الحكومية والهيئات البلدية المياومين والمؤقتين، إلا أن «هذا التشريع الخاص لم يُترجم منذ 1960»، وهذا ينسحب على المواد التي تتعلق بتحديد عدد ساعات العمل القانونية وآلية تجاوزها المعتمدة على «القدر الضروري» الذي يمكن تفسيره بملايين الاتجاهات، ما يعيد العمل إلى زمن «السخرة».
ويرى أبو حبيب أن بعض المواد تُستَخدم تعسّفاً، فتُعطى الحريّة لصاحب العمل في تحديد مصلحة العمل بلا اتفاق مع العامل، وهناك مواد أخرى تشير إلى أن للأجير حقوقاً، لكنّ بنود القانون كلّها لا تذكر كيف يحصل الأمر، فيما يجب أن يخفض عدد ساعات العمل الأقصى إلى 7 ساعات. وعلى صعيد تحديد الأعياد سلفاً، رفض أصحاب العمل العمل اقتراح لجنة تحديث القوانين الذي يتضمن تحديد 8 أعياد. ويقول أبو حبيب إن زيادة قيمة الغرامات المالية تكبح الصرف

يصرف العمال فور ادعاء صاحب العمل حصول «الظروف القاهرة» بلا دليل
التعسّفي، ولذلك يجب أن يُعدّل الوضع الحالي بالنسبة إلى قيمة تعويض الصرف التعسفي ليكون متراوحاً بين 4 أشهر في الحدّ الأدنى و24 شهراً في الحدّ الأقصى، وذلك بدلاً من حدّ أدنى يبلغ شهرين ولا يزيد على 12 شهراً، «وذلك إضافة إلى ما قد يستحقه العامل من تعويضات قانونية نتيجة لفصله من الخدمة». ويشدد على ضرورة ألّا تُمدّد مدّة تحوّل عقد الاستخدام، من موقّت إلى دائم، إلى 3 سنوات، لأن هذا الأمر يخفي عملية التعاقد الحرّ. أي يجب أن يعتمد النص القديم الذي يؤكد أن تجديد العقد سنة ثانية حداً أقصى ثم يعدّ دائماً بعدها. وفي ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على الأجير، يجب أن ينشئ صندوقاً للعقوبات توضع فيه المبالغ المالية الناتجة من الغرامات على العامل، على أن تديره لجنة مشتركة لتوزيع هذه الأموال على المشاريع الاجتماعية.
وعلى صعيد عمل النقابات، يؤكد أبو حبيب أن الاتفاقيات الدولية لا تلحظ ترخيص النقابات من قبل الوزارة كما هو معمول به حالياً، وكما جاء في آخر تعديلات، بل هي عبارة عن علم وخبر، فيما يجب أن يكون لموظفي القطاع العام الحق في إنشاء نقابات وفقاً للاتفاقيات الدولية، ولا سيما الاتفاقية 87 التي تتحدث عن الحرية النقابية وحق التنظيم النقابي.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي