«النقل السوري» يجتاح الأراضي اللبنانيّة
المعاملة بالمثل غائبة: أين دور وزارتي الداخليّة والنقل؟
البقاع ــ أسامة القادري
«حركة بلا بركة»، بهذه العبارة يصف أحد السائقين العموميّين ما شهدته ساحة شتورا أخيراً من زحمة خانقة بفعل حشود العمال السوريّين العائدين إلى مدنهم وقراهم، لقضاء عطلة عيد الأضحى مع ذويهم.
وأيّ عابر في تلك المنطقة لاحظ في صيحات السائقين ومناداتهم كثيراً من الامتعاض الذي يُعبّر عنه بشتائم، تنال من السائق السوري وسيارته، من دون أن تسلم منها الدولة اللبنانية، لكونها لا تحمي لقمة عيشهم من منافسة الجيران!
الشتائم تنطلق مع انطلاق الفانات السورية، محمّلة ركابها وأمتعتهم التي تضيق بها سقوف السيارات والفانات القادمة من قرى ومدن لبنانية، متجهة بهم إلى القرى والمدن السورية. وازدحام شتورا، في الأسبوع الذي سبق العيد، لم يكن إلّا محطة للعمال بهدف تبديل الأموال التي تقاضوها، بعملتهم الوطنية، أو لشراء بعض الاحتياجات والهدايا.
وبهذا الانتقال يكون العمّال السوريّون قد تجاوزوا كل مواقف السيارات العمومية في المناطق اللبنانية، بما فيها مواقف شتورا الأربعة. ما يجعل السائق اللبناني ضحية قانون «وقف التنفيذ»: فلا نقابة السائقين استطاعت أن تحميه من المنافسة، ولا وزارة الداخلية عمّمت على دورياتها أنّ أيّ سيارة أو فان عمومية سورية وأردنية تتجاوز المواقف الرئيسية المحددة لها، تُعدّ مخالِفة للقانون اللبناني، وتغرّم بمخالفتها، بهدف ضمان حق السائق اللبناني.
تُسمع الشتائم «جهاراً نهارا»، وتأتي اعتراضاً على الطريقة التي تعمل بها «السيارات السورية» داخل الأراضي اللبنانية، دون حسيب أو رقيب، وخارج الروزنامة المتفق عليها، لحماية العاملين في النقل العام داخل كل قطر عربي.
«فالج لا تعالج»، هكذا يختصر السائق أبو زهير جابر، الذي يمتهن مهنة «شوفير خط» منذ 35 عاماً، ما يعانيه وزملاءه السائقين، من تقصير الدولة بحقهم، ومن عدم حماية لقمة عيشهم من مزاحمة السيارات السورية لهم. السبب: «ينافسوننا في عقر دارنا، ونحن ممنوع علينا في سوريا، أن ننتقل فشخة خارج الكاراج المخصص لنا».
يتابع الرجل الستيني معاتباً وزارة الداخلية، «الحق مش على السيارة السورية، الحق على دولتنا اللي مش حامية لقمتنا». ويسحب غضبه لانتقاد مجمل سياسة وزارة الداخلية في تعاملها مع قطاع النقل، فيقول: «كأنو ما مكفينا السيارات الخصوصية، اللي بتخطف الراكب من قدام عيونا، والفانات اللي بتعمل بلوحات مزورة، حتّى اجت السيارة السورية تكحلها».
من جهته، يشدّد السائق محمد، الذي يعتمد خط راشيا الوادي شتورا، على أنّه وزملاءه ينتظرون العيد «مناطرة» لكي يتمكّنوا من «جمع قرشين نسكر فيها الأقساط المدرسية، وحق المازوت».
وبتنهّد مقهوراً وابتسامة صفراء على الوجه، يقول محمّد إنّه في ظلّ الفوضى القائمة لا يبقى للسائقين اللبنانين إلّا «كش الذبان ولعب الليخة»، ويُلقي كلّ اللوم على وزارتي الداخليّة والنقل، على اعتبار أنّهما لا تعاملان السيارات السورية والأردنية العمومية بالمثل. يقول: «طالما وضعوا رادارات للسرعة، ليش ما بيوضعوا رادارات تضبط السيارات الخصوصية»، والسورية التي تعمل على نقل الركاب داخل الأراضي اللبنانية، أو أن يعامَلوا، «كما نحن نعامل في بلدنا، في دفع الضرائب والميكانيك وغيره».
يعيد زياد عوض تراجع إنتاج عمل السيارات العمومية في الموقف الذي يعمل فيه في شتورا، إلى ثلاث مشاكل أساسية، تبدأ من صرف نظر «الدرك» عن ضبط مخالفات الفانات العاملة على المازوت، والعاملة بـ«نمر مزورة»، وعدم ضبط السيارات الخصوصية المتكاثرة التي «تتعدّى على سياراتنا العمومية». أما السيارات السورية، فهي «مشكلة المشاكل»، ويوضح أنّ «السيارة والفان السوري بيجيبو الراكب السوري من فرشتو، وين ما كان يكون، لإنو ما في حسيب أو رقيب يوقفون عند حدُّن»، باعتبار أنّ هذا مخالف للقانون، وللمعاهدات التي تقضي بالمعاملة بالمثل. ويشير إلى أنّ القانون اللبناني، حدد للسيارة السورية مواقف خاصّة، ولكن لا أحد يلتزم بها «لإنّو ما في مين يضبط مخالفتهم».
يُجمع السائقون وأصحاب «الكاراجات»، على مطالبتهم وزيري الداخلية والأشغال العامة، زياد بارود وغازي العريضي، بتوحيد المواقف التي من شأنها تنظيم عمل السيارات والفانات العمومية بين المناطق اللبنانية، بما يضمن عدم تعدي أيّ من أصحاب السيارات والفانات على زملائه في منطقة أخرى. وفي رأيهم فإنّ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى تحديد «الخطوط»، على طريقة العمل مداورةً، لا على صيغة «كل واحد يدبر راسو».
ويطالب السائقون وزير الداخلية بأن يفعّل قرار المعاملة بالمثل في ما يخص السيارات السورية العمومية التي تتنقّل في جميع الأراضي اللبنانية، وبالتالي تحديد المواقف الخاصّة بها من جهة معبر المصنع ومن المعابر الأخرى بما يناسب السائقين اللبنانيين.
واللافت أنّ الخلل الذي يتحدّث عنه السائقون اللبنانيّون يعكسه زملاؤهم السوريّون في حديثهم، حيث لا ينفي أحد سائقي الفانات السوريّين، الذي يعمل بين لبنان وسوريا، في حديثه لـ«الأخبار» ، أنه يأتي إلى لبنان بناءً على طلب العمال السوريين، والسيّاح. يقول: «أنا جايب طلب من درعا إلى صيدا. في عمّال باخذهم وبجيبهم، وما بتعدى على لقمة غيري».
سائق سوري: السلطات اللبنانية لا تطلب أيّ أوراق وتغضّ الطرف عنّا
يُقرّ هذا السائق بأنّ القانون لا يسمح له بأن ينقل ركاباً من لبنان، إلّا بموجب «جدول» (Manifest) بعدد الركاب، ويؤكد أنه دخل الموقف ودفع الضريبة، ونقل الركاب منه بالسعر المحدد. وفي المبدأ يجب أن يصدر هذا الجدول من الموقف الموحد المخصص له كمحطة.
وعن كيفية تعامل السلطات اللبنانية معه، يقول السائق السوري نفسه: «أحياناً يُطلب منا عند الحدود اللبنانية أثناء قدومنا من دمشق، إبراز الجدول الذي نأخذه من الموقف في سوريا»، لكن السلطات اللبنانية لا تطلب منه أيّ أوراق، وبالتالي فهي «تغضّ الطرف عنا ولا تنظم بحقنا ضبوطة»، على حدّ تعبيره.
وللوقوف عند دور السلطات المعنيّة بهذه الفوضى القائمة، اتصلت «الأخبار» بوزارة الداخلية، وردّت مسؤولة الإعلام في الوزارة بتحويل الاتصال إلى مسؤول آخر على رقم حدّدته. وعاودت «الأخبار» الاتصال أربع مرات من دون الحصول على أيّ إجابة.
هذا الوضع يطرح تساؤلات كثيرة: متى تطبّق وزارة الداخلية قانون المعاملة بالمثل، لتحمي السيارات العمومية اللبنانية من منافسة السيارات والفانات السورية؟ هل ذلك مرتبط بمكافحة جميع المخالفات والتعديات على قطاع النقل العمومي؟
البقاع ــ أسامة القادري
«حركة بلا بركة»، بهذه العبارة يصف أحد السائقين العموميّين ما شهدته ساحة شتورا أخيراً من زحمة خانقة بفعل حشود العمال السوريّين العائدين إلى مدنهم وقراهم، لقضاء عطلة عيد الأضحى مع ذويهم.
وأيّ عابر في تلك المنطقة لاحظ في صيحات السائقين ومناداتهم كثيراً من الامتعاض الذي يُعبّر عنه بشتائم، تنال من السائق السوري وسيارته، من دون أن تسلم منها الدولة اللبنانية، لكونها لا تحمي لقمة عيشهم من منافسة الجيران!
الشتائم تنطلق مع انطلاق الفانات السورية، محمّلة ركابها وأمتعتهم التي تضيق بها سقوف السيارات والفانات القادمة من قرى ومدن لبنانية، متجهة بهم إلى القرى والمدن السورية. وازدحام شتورا، في الأسبوع الذي سبق العيد، لم يكن إلّا محطة للعمال بهدف تبديل الأموال التي تقاضوها، بعملتهم الوطنية، أو لشراء بعض الاحتياجات والهدايا.
وبهذا الانتقال يكون العمّال السوريّون قد تجاوزوا كل مواقف السيارات العمومية في المناطق اللبنانية، بما فيها مواقف شتورا الأربعة. ما يجعل السائق اللبناني ضحية قانون «وقف التنفيذ»: فلا نقابة السائقين استطاعت أن تحميه من المنافسة، ولا وزارة الداخلية عمّمت على دورياتها أنّ أيّ سيارة أو فان عمومية سورية وأردنية تتجاوز المواقف الرئيسية المحددة لها، تُعدّ مخالِفة للقانون اللبناني، وتغرّم بمخالفتها، بهدف ضمان حق السائق اللبناني.
تُسمع الشتائم «جهاراً نهارا»، وتأتي اعتراضاً على الطريقة التي تعمل بها «السيارات السورية» داخل الأراضي اللبنانية، دون حسيب أو رقيب، وخارج الروزنامة المتفق عليها، لحماية العاملين في النقل العام داخل كل قطر عربي.
«فالج لا تعالج»، هكذا يختصر السائق أبو زهير جابر، الذي يمتهن مهنة «شوفير خط» منذ 35 عاماً، ما يعانيه وزملاءه السائقين، من تقصير الدولة بحقهم، ومن عدم حماية لقمة عيشهم من مزاحمة السيارات السورية لهم. السبب: «ينافسوننا في عقر دارنا، ونحن ممنوع علينا في سوريا، أن ننتقل فشخة خارج الكاراج المخصص لنا».
يتابع الرجل الستيني معاتباً وزارة الداخلية، «الحق مش على السيارة السورية، الحق على دولتنا اللي مش حامية لقمتنا». ويسحب غضبه لانتقاد مجمل سياسة وزارة الداخلية في تعاملها مع قطاع النقل، فيقول: «كأنو ما مكفينا السيارات الخصوصية، اللي بتخطف الراكب من قدام عيونا، والفانات اللي بتعمل بلوحات مزورة، حتّى اجت السيارة السورية تكحلها».
من جهته، يشدّد السائق محمد، الذي يعتمد خط راشيا الوادي شتورا، على أنّه وزملاءه ينتظرون العيد «مناطرة» لكي يتمكّنوا من «جمع قرشين نسكر فيها الأقساط المدرسية، وحق المازوت».
وبتنهّد مقهوراً وابتسامة صفراء على الوجه، يقول محمّد إنّه في ظلّ الفوضى القائمة لا يبقى للسائقين اللبنانين إلّا «كش الذبان ولعب الليخة»، ويُلقي كلّ اللوم على وزارتي الداخليّة والنقل، على اعتبار أنّهما لا تعاملان السيارات السورية والأردنية العمومية بالمثل. يقول: «طالما وضعوا رادارات للسرعة، ليش ما بيوضعوا رادارات تضبط السيارات الخصوصية»، والسورية التي تعمل على نقل الركاب داخل الأراضي اللبنانية، أو أن يعامَلوا، «كما نحن نعامل في بلدنا، في دفع الضرائب والميكانيك وغيره».
يعيد زياد عوض تراجع إنتاج عمل السيارات العمومية في الموقف الذي يعمل فيه في شتورا، إلى ثلاث مشاكل أساسية، تبدأ من صرف نظر «الدرك» عن ضبط مخالفات الفانات العاملة على المازوت، والعاملة بـ«نمر مزورة»، وعدم ضبط السيارات الخصوصية المتكاثرة التي «تتعدّى على سياراتنا العمومية». أما السيارات السورية، فهي «مشكلة المشاكل»، ويوضح أنّ «السيارة والفان السوري بيجيبو الراكب السوري من فرشتو، وين ما كان يكون، لإنو ما في حسيب أو رقيب يوقفون عند حدُّن»، باعتبار أنّ هذا مخالف للقانون، وللمعاهدات التي تقضي بالمعاملة بالمثل. ويشير إلى أنّ القانون اللبناني، حدد للسيارة السورية مواقف خاصّة، ولكن لا أحد يلتزم بها «لإنّو ما في مين يضبط مخالفتهم».
يُجمع السائقون وأصحاب «الكاراجات»، على مطالبتهم وزيري الداخلية والأشغال العامة، زياد بارود وغازي العريضي، بتوحيد المواقف التي من شأنها تنظيم عمل السيارات والفانات العمومية بين المناطق اللبنانية، بما يضمن عدم تعدي أيّ من أصحاب السيارات والفانات على زملائه في منطقة أخرى. وفي رأيهم فإنّ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى تحديد «الخطوط»، على طريقة العمل مداورةً، لا على صيغة «كل واحد يدبر راسو».
ويطالب السائقون وزير الداخلية بأن يفعّل قرار المعاملة بالمثل في ما يخص السيارات السورية العمومية التي تتنقّل في جميع الأراضي اللبنانية، وبالتالي تحديد المواقف الخاصّة بها من جهة معبر المصنع ومن المعابر الأخرى بما يناسب السائقين اللبنانيين.
واللافت أنّ الخلل الذي يتحدّث عنه السائقون اللبنانيّون يعكسه زملاؤهم السوريّون في حديثهم، حيث لا ينفي أحد سائقي الفانات السوريّين، الذي يعمل بين لبنان وسوريا، في حديثه لـ«الأخبار» ، أنه يأتي إلى لبنان بناءً على طلب العمال السوريين، والسيّاح. يقول: «أنا جايب طلب من درعا إلى صيدا. في عمّال باخذهم وبجيبهم، وما بتعدى على لقمة غيري».
سائق سوري: السلطات اللبنانية لا تطلب أيّ أوراق وتغضّ الطرف عنّا
وعن كيفية تعامل السلطات اللبنانية معه، يقول السائق السوري نفسه: «أحياناً يُطلب منا عند الحدود اللبنانية أثناء قدومنا من دمشق، إبراز الجدول الذي نأخذه من الموقف في سوريا»، لكن السلطات اللبنانية لا تطلب منه أيّ أوراق، وبالتالي فهي «تغضّ الطرف عنا ولا تنظم بحقنا ضبوطة»، على حدّ تعبيره.
وللوقوف عند دور السلطات المعنيّة بهذه الفوضى القائمة، اتصلت «الأخبار» بوزارة الداخلية، وردّت مسؤولة الإعلام في الوزارة بتحويل الاتصال إلى مسؤول آخر على رقم حدّدته. وعاودت «الأخبار» الاتصال أربع مرات من دون الحصول على أيّ إجابة.
هذا الوضع يطرح تساؤلات كثيرة: متى تطبّق وزارة الداخلية قانون المعاملة بالمثل، لتحمي السيارات العمومية اللبنانية من منافسة السيارات والفانات السورية؟ هل ذلك مرتبط بمكافحة جميع المخالفات والتعديات على قطاع النقل العمومي؟