حريق تلّة الخياط كاد يلتهم أولاد «المدام» وعاملات
«في سريلانكيات علقانين بالمبنى اللي عم يحترق، وأبواب الشقق الحديد مقفولة عليهن»، يصرخ أحد رجال إطفاء فوج بيروت بزملائه. كان الحريق قد انتهى تقريباً حين وصلنا الى بناية «نور». «الدخان الأبيض» المتصاعد، لم يكن فأل خير هذه المرة، مع أنه كان يعلن أن الحريق كاد ينتهي بعدما التهم 3 طبقات من المبنى. كانت بعض النيران ما زالت تحاصر بعض العاملات الأجنبيات اللواتي عجزن عن الخروج لكونهن محتجزات خلف أبواب الشقق بأمر من المدام، ولكن مع... أطفالها. هذا الخبر أحدث صدمة لمن تجمّعوا هنا من المارة والفضوليين، الذين قبعوا بانتظار انتهاء عملية الإنقاذ. الى هؤلاء انضم بعض أصحاب المنازل الذين بدأوا بالتوافد، للاطمئنان إلى شققهم. هكذا، كان على رجال الدفاع المدني مواجهة مشكلتين: الأولى «إطفاء الحريق والسيطرة عليه، أما الثانية، فكانت العمل على خلع الأبواب الحديدية والخشبية لإنقاذ العاملات اللواتي حاصرتهن الأدخنة»، يقول وهيب وهبي، النقيب في فوج إطفاء بيروت. واجهات الشرفات الزجاجية للمبنى المحترق اتشحت بسواد السخام، أما الزجاج المتساقط، فقد أجبر المتفرجين على الابتعاد عشرات الأمتار. فجأةً، ومع استمرار عملية إطفاء الحريق في الطبقتين الثالثة والرابعة من المبنى، تتجه الأنظار الى مكان آخر، الى خلف زجاج الشرفات الخلفية للمبنى. هناك، وقفت بعض العاملات يلوّحن ببعض الملابس المنشورة على حبل الغسيل للفت الانتباه الى وجودهن. يبدأ رجال الإطفاء العمل على سحبهن من المبنى، بينما يتولى آخرون، انضم إليهم بعض الجيران المتطوعين، عملية إخلاء المبنى والسيطرة على الحريق. هكذا، ينزل أحد المتطوعين ممّن أسهموا في إنقاذ إحدى العاملات، غاضباً، يقول: «كسّرنا أيدينا، ونحن نحاول أن نخلع الأبواب، معقول حابسينهم هيك؟». يضيف: «هناك امرأة حامل في الطبقة العاشرة، تركناها فوق لأنها لا تستطيع الهبوط على الدرج». يسحب الشاب كنزته التي لفّها على فمه وأنفه، ثم يأخذ نَفساً عميقاً ليصعد مجدداً الى المبنى. «على الطابق السادس في سريلانكية علقانة»، يصرخ آخر. تتسمّر الأنظار على شرفة الطابق. يظهر رجال الإطفاء وهم يكسرون زجاج الشرفة لتخفيف الدخان الذي حاصرهم. تخرج العاملة سالمة مع طفل بعمر أربع سنوات، تبدو مرتعبة فيما يقول منقذها اللبناني إنها كانت خائفة على الصغير الذي في عهدتها أكثر من خوفها على نفسها.
في مداخل المباني المقابلة، اجتمع أصحاب المنازل التي احترقت. بعض ربّات المنازل اللواتي لم يجبن على اتصالات ناطور المبنى عند اندلاع الحريق، حضرن الآن نادمات باكيات، وخاصةً على تركهن العاملات خلف الأبواب المقفلة، وكادت النيران تأكلهن مع الأولاد. تجلس إحداهن، تضم عاملتها التي استطاعت الهرب من الحريق بمجرد اشتمامها رائحة الدخان الى صدرها، وتبكيان. بعيداً عن الحشود تقف الإثيوبية، بيرا ابويسا، العاملة في الطبقة السابعة من المبنى. تبكي الفتاة صديقتها التي كانت محاصرة عند اشتعال الحريق. ابويسا كانت في المنزل مع «المدام» حينها «شممنا رائحة دخان، وفجأةً رنّ جرس الهاتف الداخلي للمبنى وقالوا لنا إنه يجب ترك المبنى لأن هناك حريقاً كبيراً، فهربنا»، تقول. يُخرج محمد مزنر أحد الذين كانوا موجودين لحظة اشتعال الحريق هاتفه الخلوي ليريك الصور التي التقطها بعدسة هاتفه. يقول الشاب: «اتصلنا بالدفاع المدني عندما كان الحريق في الطبقة الثانية من المبنى، لكنهم تأخروا 45 دقيقة، حينها كانت النيران قد سبقتهم ووصلت إلى الطبقة الرابعة». خلال انتظار وصول رجال الدفاع المدني الذين علقوا «في زحمة سير خانقة»، كما قال وهبة، تصرف أبناء المنطقة المحيطون بالمبنى كرجال إطفاء. هكذا، تولى سمير موسى فتح شبابيك «المنور» لتخفيف كثافة الدخان، إضافةً إلى تمكّنه من سحب عدد من السكان، والعاملات اللواتي لم تكن الأبواب مغلقة بوجوههن، بينما تولى آخرون محاولة خلع الأبواب المغلقة.
بعد وصول القطاعات الثلاثة في الدفاع المدني، فوج إطفاء بيروت، الكرنتينا، الملعب البلدي، تمكّن رجال الإطفاء من «السيطرة على النيران بسرعة قياسية وكانت أولوياتنا هي إنقاذ الناس»، يقول وهبة. داخل المبنى وفي الطبقة الثالثة منه، حيث الضرر الأكبر، كان رجال الإطفاء لا يزالون يحاولون إخماد ما بقي من جمرات في المفروشات. صاحب المنزل مروان بدر لم يكن فيه، فالرجل «في الصين» كما يقول محمد الزاهد، الذي يعمل لديه. يروي زاهد أنه عند اشتعال الحريق على الشرفة في الصالون كان في المنزل «سريلانكيتان وصَبيّة، لكنهن هربن بمجرد أن رأين النيران». يضيف: «النيران صعدت من الطابق الثاني، وامتدت لتصل الى شرفة المنزل، وما ساعد على انتشار النار بقوّة هو الأسقف الخشبية الموجودة على الشرفات، كما كان هناك سجّاد منشور». تهبط إلى الطابق الثاني، هناك تلاحظ أن أضرار صاحبها أقل من أضرار شقة جاره. سمير فليفل صاحب المنزل، جال في أرجاء منزله متفقّداً الأضرار، لم يعلّق الرجل على ما جرى. بدأ رجال الإطفاء شرح ما فعلوه، وكيف كانت حالة شقته عندما وصلوا إليها. «لا نعرف ما السبب الرئيسي للحريق، نحتاج الى يومين لتظهر النتائج، نعتقد أنه بسبب احتكاك كهربائي»، يقول له أحدهم. يرد فليفل عليه: «لكن لا أحد في المنزل، كي نقول إنه كان يطبخ واشتعلت النيران فيه». يواسيه آخر: «العوض على الله، تيجي بالمال وما تيجي بالعيال».
31% مقفل عليهن
أعدّت منظمة «كفى» في شهر حزيران الماضي تقريراً عن أوضاع العاملات الأجنبيات في لبنان. فأظهرت الدراسة أنّ «أكثر من 50 في المئة من النساء يعملن أكثر من 12 ساعة في اليوم. وأنّ 40 في المئة ليس لديهنّ أي إجازة منتظمة. ويحتفظ 88 في المئة من أصحاب العمل بجواز سفر العاملة الأجنبية، فيما يقفل 31 في المئة منهم الأبواب على العاملات لدى خروجهم من المنزل، ولا يسمح لـ80 في المئة منهم للعاملة بمغادرة المنزل يوم الإجازة». وتبيّن بحسب التقرير أنه «تموت عاملة واحدة أسبوعياً، إمّا بسبب الانتحار أو بسبب حوادث في مكان العمل».
في مداخل المباني المقابلة، اجتمع أصحاب المنازل التي احترقت. بعض ربّات المنازل اللواتي لم يجبن على اتصالات ناطور المبنى عند اندلاع الحريق، حضرن الآن نادمات باكيات، وخاصةً على تركهن العاملات خلف الأبواب المقفلة، وكادت النيران تأكلهن مع الأولاد. تجلس إحداهن، تضم عاملتها التي استطاعت الهرب من الحريق بمجرد اشتمامها رائحة الدخان الى صدرها، وتبكيان. بعيداً عن الحشود تقف الإثيوبية، بيرا ابويسا، العاملة في الطبقة السابعة من المبنى. تبكي الفتاة صديقتها التي كانت محاصرة عند اشتعال الحريق. ابويسا كانت في المنزل مع «المدام» حينها «شممنا رائحة دخان، وفجأةً رنّ جرس الهاتف الداخلي للمبنى وقالوا لنا إنه يجب ترك المبنى لأن هناك حريقاً كبيراً، فهربنا»، تقول. يُخرج محمد مزنر أحد الذين كانوا موجودين لحظة اشتعال الحريق هاتفه الخلوي ليريك الصور التي التقطها بعدسة هاتفه. يقول الشاب: «اتصلنا بالدفاع المدني عندما كان الحريق في الطبقة الثانية من المبنى، لكنهم تأخروا 45 دقيقة، حينها كانت النيران قد سبقتهم ووصلت إلى الطبقة الرابعة». خلال انتظار وصول رجال الدفاع المدني الذين علقوا «في زحمة سير خانقة»، كما قال وهبة، تصرف أبناء المنطقة المحيطون بالمبنى كرجال إطفاء. هكذا، تولى سمير موسى فتح شبابيك «المنور» لتخفيف كثافة الدخان، إضافةً إلى تمكّنه من سحب عدد من السكان، والعاملات اللواتي لم تكن الأبواب مغلقة بوجوههن، بينما تولى آخرون محاولة خلع الأبواب المغلقة.
بعد وصول القطاعات الثلاثة في الدفاع المدني، فوج إطفاء بيروت، الكرنتينا، الملعب البلدي، تمكّن رجال الإطفاء من «السيطرة على النيران بسرعة قياسية وكانت أولوياتنا هي إنقاذ الناس»، يقول وهبة. داخل المبنى وفي الطبقة الثالثة منه، حيث الضرر الأكبر، كان رجال الإطفاء لا يزالون يحاولون إخماد ما بقي من جمرات في المفروشات. صاحب المنزل مروان بدر لم يكن فيه، فالرجل «في الصين» كما يقول محمد الزاهد، الذي يعمل لديه. يروي زاهد أنه عند اشتعال الحريق على الشرفة في الصالون كان في المنزل «سريلانكيتان وصَبيّة، لكنهن هربن بمجرد أن رأين النيران». يضيف: «النيران صعدت من الطابق الثاني، وامتدت لتصل الى شرفة المنزل، وما ساعد على انتشار النار بقوّة هو الأسقف الخشبية الموجودة على الشرفات، كما كان هناك سجّاد منشور». تهبط إلى الطابق الثاني، هناك تلاحظ أن أضرار صاحبها أقل من أضرار شقة جاره. سمير فليفل صاحب المنزل، جال في أرجاء منزله متفقّداً الأضرار، لم يعلّق الرجل على ما جرى. بدأ رجال الإطفاء شرح ما فعلوه، وكيف كانت حالة شقته عندما وصلوا إليها. «لا نعرف ما السبب الرئيسي للحريق، نحتاج الى يومين لتظهر النتائج، نعتقد أنه بسبب احتكاك كهربائي»، يقول له أحدهم. يرد فليفل عليه: «لكن لا أحد في المنزل، كي نقول إنه كان يطبخ واشتعلت النيران فيه». يواسيه آخر: «العوض على الله، تيجي بالمال وما تيجي بالعيال».
31% مقفل عليهن
أعدّت منظمة «كفى» في شهر حزيران الماضي تقريراً عن أوضاع العاملات الأجنبيات في لبنان. فأظهرت الدراسة أنّ «أكثر من 50 في المئة من النساء يعملن أكثر من 12 ساعة في اليوم. وأنّ 40 في المئة ليس لديهنّ أي إجازة منتظمة. ويحتفظ 88 في المئة من أصحاب العمل بجواز سفر العاملة الأجنبية، فيما يقفل 31 في المئة منهم الأبواب على العاملات لدى خروجهم من المنزل، ولا يسمح لـ80 في المئة منهم للعاملة بمغادرة المنزل يوم الإجازة». وتبيّن بحسب التقرير أنه «تموت عاملة واحدة أسبوعياً، إمّا بسبب الانتحار أو بسبب حوادث في مكان العمل».