مقالات مرتبطة
وأكدت مصادر سياسية مطّلعة، لـ«الأخبار»، أن التحقيقات ستتبع منهجية شفّافة وسريعة، وستطال كلّ مَن ساهم في أحداث برازيليا، متحدّثة عن تكشُّف خيوط منطقية تربط بولسنارو بعملية الاقتحام التي انتهت باعتقال مئات المتورّطين، لافتة إلى أن مسار الانقلاب على المؤسّسات الدستورية ليس وليد الأيام الأخيرة، بل هو مسار بدأه الرئيس السابق ونجلاه منذ أشهر، بعد التهديد بدخول المحكمة العليا وتعطيل البرلمان والكونغرس. كما جاء الصمت «البولسناري» على كلّ الاحتجاجات وقطْع الطرقات العامّة، كإشارات تأييد، آخرها التزام السكوت مدّة سبع ساعات إثر «غزوة برازيليا»، أي بعد انتهاء مفعول الاقتحام وافتضاح فشل المشروع الانقلابي، وبالتالي، فإن تنصّل بولسنارو ممّا حدث عبر تغريدة ملتبسة مليئة بالمغالطات، بدا عديم القيمة.
في المحصّلة، جاءت «غزوة برازيليا» لتُعزّز موقف دا سيلفا، الذي ظهر كزعيم وطني تلتفّ حوله معظم القطاعات السياسية والشعبية. فالرئيس الذي كان في جولة لتفقّد الأضرار الناجمة عن الفيضانات في ساو باولو، عاد إلى العاصمة بعد إعلانه توقيع مرسوم للتدخّل العسكري لمدّة شهر، واصفاً الأحداث بـ«الدموية والبربرية»، متوعّداً بـ«الحساب القريب لكلّ المتورّطين». كذلك، زار دا سيلفا مبنى المحكمة العليا برفقة وزراء وعدد من قضاة المحكمة، ودعا إلى اجتماعات مع حكّام الولايات وقادة البرلمان والكونغرس للأخذ بزمام المبادرة وقطْع الطريق أمام مَن يريدون العبث بأمن البلاد. أمّا «حزب العمال» البرازيلي فاعتبر أن الهجوم التخريبي ما كان ليحصل لولا تقاعس الجهات المحلّية في برازيليا، وعلى رأسها الحاكم إيبانيز روشا، خصوصاً مع تَوفّر معلومات أمنية تشي بوجود مخطّطات لإثارة الفوضى، وهذا ما كشفتْه التعزيزات غير المسبوقة التي واكبت حفل التنصيب في الأوّل من الشهر الجاري. وبالتالي، فإن إخلاء الجوّ للمتظاهرين من دون احتراز أمني في ظلّ تلك المعلومات، يُعتبر «عملاً مشبوهاً». وعليه، دعا الحزب إلى «محاسبة كلّ المتورّطين، وإزالة الاعتصامات الثابتة من أمام الثكنات العسكرية في معظم الولايات البرازيلية».
سيسعى دا سيلفا إلى إعادة لمّ الشمل اللاتيني، وتفعيل منظّمتَي «ميركوسور» و«أناسور»
هكذا، تمكّن دا سيلفا من تخطّي الامتحان الثاني خلال بضعة أيام فقط من تقلّده المنصب الرئاسي. وكان الزعيم «العمّالي» أصرّ على استلامه الوشاح الرئاسي من عاملة نظافة وعدد من الممثّلين عن القطاعات الشعبية، في ردّ قاسٍ على تغيّب بولسنارو وتمنّعه عن تسليمه الرئاسة بحسب البروتوكول البرازيلي. كما استطاع تشكيل حكومة موسّعة تضمّ 37 وزيراً من 13 حزباً، من بينهم 11 امرأة تقلّدْن مناصب وازنة، أبرزهنّ المرشّحة الرئاسية السابقة، سيموني تابت، التي تولّت وزارة التخطيط، والناشطة البيئية الشهيرة، مارينا سيلفا، التي شغلت وزارة البيئة، بالإضافة إلى الباحثة الطبّية في أهمّ المختبرات البرازيلية، نيسيا تريندادي، كوزيرة للصحّة. وجاءت القرارات الأولى للرئيس دا سيلفا لتُترجم سريعاً جانباً من وعوده الانتخابية، وأهمّها توقيع مراسيم إلغاء الضريبة عن النفط والغاز في السوق الداخلي، ورفْع الحدّ الأدنى للأجور بنسبة 20 في المئة، ومنْح العوائل الفقيرة إعانة عائلية بقيمة 600 ريال برازيلي (120 دولار أميركي)، وتجميد منْح رُخص السلاح، وتجريم قطْع الأشجار في الأمازون، ومنْح ميزانية خاصة لحماية الغابة، وإعادة العلاقات مع فنزويلا، وغيرها من القرارات التي أراحت الداخل البرازيلي.
أمّا على المستوى الخارجي، فقد وعد دا سيلفا بإعادة البرازيل إلى الساحة الدولية، وفتْح بلاده أمام الاستثمارات الأجنبية، في وقت سارعت فيه واشنطن إلى مدّ اليد له، تمهيداً لتطوير العلاقات بين الطرفَين. كذلك، أكد الرئيس «العمّالي»،، للوفد الفلسطيني الذي ترأّسه وزير الخارجية رياض المالكي إلى حفل التنصيب، أن البرازيل ستظلّ داعمة للقضية الفلسطينية، مُعلِناً نهاية الحقبة السوداء التي دعمت فيها بلاده الاحتلال الإسرائيلي. وتحدّث الوزير الفلسطيني، إلى «الأخبار»، عن اللقاء الذي جمعه بدا سيلفا، ناقلاً عن الأخير تأكيده أن قدرات البرازيل ستكون في خدمة الحق الفلسطيني، وأن برازيليا لن تتردّد في التنديد بالجرائم الإسرائيلية والتعدّيات على الحقوق الفلسطينية. وإذ يدرك الرئيس أنه يواجه مرحلة مليئة بالتحدّيات الداخلية والخارجية، فهو يعتقد أن الصراعات الدولية المباشرة باتت تفرض على البرازيل رسْم سياسات دقيقة تتيح لها التحرّك في المساحات الوسطية، على أن تكون «المصلحة العليا للشعب» هي الفيصل في تحديد التحالفات. وعلى مستوى الإقليم، سيسعى دا سيلفا إلى إعادة لمّ الشمل اللاتيني، وتفعيل منظّمتَي «ميركوسور» و«أناسور»، لكن التحدّي الأكبر يكمن في إنهاء حالة التمرّد الداخلية، التي وإنْ هُزمت هذه المرّة، فلا يعني ذلك أبداً أن نوايا التخريب لديها باتت خارج الحساب.