على هذه الخلفية، يُعدّ استعراض نتنياهو محاولة كلامية لترميم أوراق الضغط الأكثر تأثيراً في سياق المواجهة بين الجانبين، سواء وصلت الأمور إلى المواجهة العسكرية، أم لم تصل. وكما هو معلوم، فإن مفعول الخيارات العسكرية لا يقتصر فقط على استخدامها الفعلي، بل على حقيقة وجودها أولاً، وعلى إرادة استخدامها ثانياً، وعلى إدراك العدو كل ذلك ثالثاً. وإذا تحققت الشروط الثلاثة، فمن شأنها أن تعطي نتائج بذاتها، من دون المخاطرة بالاستخدام الفعلي للخيارات العسكرية. وفي حدّ أدنى، إرادة استخدام القوة العسكرية، مع التسليم بوجودها، باتت موضع شك كبير لدى صانع القرار في طهران.
ما قبل الاتفاق النووي، مارس نتنياهو وباراك استراتيجية «أمسكوني» بنجاح
من هنا، يُطرح سؤال: هل يكفي «كليب» استعراض القوة ليغيّر نتنياهو ما ترسخ في الوعي الإيراني؟ علماً بأن قرار إيران بالمواجهة الميدانية جاء قبل اتضاح مستوى الانكفاء الأميركي العسكري، وترسّخ لاحقاً بعد الانكفاء. والفرق بين الحالتين كبير جداً. و«كليب» نتنياهو غير مخصص حصراً للجانب الإيراني، وإن كان الأخير واحداً من أهم استهدافاته، بل هو مخصص أيضاً للولايات المتحدة، وبشكل أكبر للدول الأوروبية الثلاث: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك من خلال التلويح غير المباشر بالقوة العسكرية وإرادة تفعيلها، بهدف القول إنه إن تمت التسوية التي يُعمل عليها الآن بين إيران والدول الثلاث، أو تم التوصل إلى أي «ستاتيكو» ـــ بلا تسوية مكتوبة ــــ لا يرضي تل أبيب، فهذا يعني المخاطرة بمواجهة الخيار العسكري الإسرائيلي وجرّ المنطقة والعالم إلى حرب من شأنها الإضرار بمصالح الجميع.
هي إذاً محاولة ضغط إسرائيلية تستنسخ محاولات الضغط المشابهة لمرحلة ما قبل الاتفاق النووي عام 2015، وتحديداً في عامي 2012 و 2013، حين كان التهديد مُوجّهاً أولاً إلى الولايات المتحدة، بأن إسرائيل على وشك شن هجوم على إيران ما لم تعالَج مخاوف تل أبيب. في حينه، مارس نتنياهو ووزير أمنه، إيهود باراك، استراتيجية «أمسكوني» بنجاح في مقابل الأميركيين، فهل تنجح الاستراتيجية نفسها عام 2019؟ من المقدر أن يشهد الحراك الإسرائيلي المزيد من «الكليبات» والمواقف التهديدية، مع تظهير وتضخيم للتغطية الإخبارية والتحليلية للتدريبات العسكرية والمناورات التي يُفهم منها التوثب لشن هجمات بعيدة المدى، مع أقصى المحاولات لتوظيفها في استراتيجية «أمسكوني» لنتنياهو وكبار وزرائه وجنرالاته.