حصلت X (تويتر سابقاً)، منصة التواصل الاجتماعي المملوكة من إيلون ماسك، على تراخيص معالجة المدفوعات من ولايات أميركية عدّة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك ترخيص في رود آيلاند مطلوب لتقديم خدمات العملات المشفرة في نهاية آب (أغسطس) الماضي. تسمح التراخيص لـ X بمعالجة المدفوعات بطرق منوّعة، بما في ذلك النقد وبطاقات الائتمان والعملات المشفرة. وقد يمهد هذا الطريق للسماح لمستخدمين X بتمويل بعضهم بالعملات المشفرة، أو شراء وبيع الـ NFTs (الرموز غير القابلة للاستبدال) على المنصة. الولايات الأخرى التي حصل فيها X على تراخيص الدفع، هي: ألاباما، أريزونا، فلوريدا، جورجيا، نيفادا وتكساس.
(نهاد علم الدين)

ماسك المؤيد للعملات المشفرة، كان قد ألمح إلى أنّ X يمكن أن تدمج مدفوعات العملات المشفرة في المستقبل. في كانون الأول (ديسمبر) 2022، استبدل ماسك شعار العصفور الأزرق الخاص بتويتر بكلب شيبا إينو، وهو رمز عملة «دوج كوين» المشفرة. وقال يومها إنه يعتقد أنّ العملات المشفرة تتمتّع بالقدرة على «إضفاء الطابع الديموقراطي» على التمويل. لكن ليس واضحاً حتى الآن توقيت أو كيفية تنفيذ X خدمة مدفوعات العملات المشفرة. مع ذلك، فإنّ نشاط الترخيص الأخير للشركة يشير إلى أنّها جادة في استكشاف هذا الخيار. وهو ما يتوافق مع توجهات ماسك في جعلها مشابهة لعمل تطبيق «وي» تشات الصيني، بحيث يتحوّل X إلى تطبيق دردشة واتصال ومنصة تواصل وتطبيق لإرسال واستلام العملات المشفّرة والتداول بها. في السنوات الأخيرة، بدأ عدد من الشركات الأخرى، بما في ذلك «باي بال» و«فينمو» و«سكوير»، في تقديم مدفوعات بالعملات المشفرة. الإقبال المتزايد على العملات المشفرة من قبل الشركات الرئيسية، يُعد علامةً إيجابية لمستقبل هذه التكنولوجيا. يشير ذلك إلى أنّه بات يُنظر إلى العملات المشفرة على أنّها «وسيلة دفع مشروعة». علماً أنّ كل عالم الكريبتو لا يزال في خانة غير المؤكد، ما عدا عملة «بتكوين»، الوحيدة التي يُنظر إليها بشكل مشابه للذهب، أي إنّها أصل يحفظ القيمة.
سيكون مثيراً للاهتمام أن نرى كيف سيستثمر X هذه الخطوة في الأشهر المقبلة. الحديث هنا عن منصة تواصل اجتماعي تملك نحو 450 مليون مستخدم فعّال شهرياً، بحسب آخر أرقام منصة Demand Sage. بكلمات أخرى، ستستحيل المنصة نظاماً مالياً عالمياً، يسمح للأفراد حول العالم بإرسال واستلام الأصول في ما بينهم. وإذا ما حصل ذلك، فيعني أنّ X ستجذب مئات الملايين من المستخدمين الإضافيين، وربّما تحوي عدداً من المستخدمين أكثر من سيّد السوشال ميديا: فايسبوك. غير أنّ التحديات كبيرة، وخصوصاً من ناحية الأمان والحماية من القرصنة. وأبرز المعوقات أنّ المشهد التنظيمي للعملات المشفرة لا يزال يتطوّر. لذلك، سيحتاج X إلى التأكّد من امتثاله لجميع القوانين المعمول بها. يتمثّل التحدّي الآخر في أنّ العملات المشفرة متقلبة جداً، لكن هذه طبيعة الوضع هنا، ومن يدخل هذا العالم، يُفترض أنّه على علم بخطورة فقدان قيمة ما يملكه من عملات مشفرة جزئياً أو كلياً.


هل ينجح حيث فشل فايسبوك؟
في تموز (يوليو) 2019، كشف فايسبوك عن «ليبرا»، مشروع عملة مشفرة حظي باهتمام كبير في حينه. هذه العملة الرقمية، المدعومة من قبل اتحاد دولي من الشركات، كانت تهدف إلى توفير الخدمات المالية للسكان الذين يعانون نقصاً في الخدمات المصرفية مع توسيع خدمة عملاق وسائل التواصل الاجتماعي لتشمل دخول سوق العملات المشفرة.
كان مقرراً إطلاق المشروع في غضون عام، لكن أعيد تسميته بـ Diem، وواجه عقبات لا يمكن التغلب عليها وضغوطاً تنظيمية، ما أدى في النهاية إلى زواله بعد أكثر من عامين ونصف العام.
منذ بدايته، واجه المشروع شكوكاً من المنظمين والمشرّعين ومراقبي الصناعة المالية بسبب المخاوف بشأن العملة المشفرة التي يديرها فايسبوك. كافحت شركة ميتا لمعالجة مشكلات مثل الأنشطة الإجرامية وإساءة استخدام بيانات المستخدم على منصاتها الحالية. يؤكد إنهاء مشروع Diem تأثير المنظمين على عمالقة التكنولوجيا مثل ميتا، ما يؤثر على توسعهم في مجالات المنتجات الجديدة. وأعرب المنظمون والمشرعون، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها، عن مخاوفهم بشأن العملة الجديدة التي يمكن أن تصل إلى قاعدة مستخدمي فايسبوك الواسعة، وخصوصاً في البلدان التي تفتقر إلى الإطار التنظيمي للإشراف على العملات المشفرة بشكل فعال. وكانوا «يخشون من أن تشكل «ليبرا» تهديداً للدولار الأميركي والأسواق المالية»، وربما تسهل ارتكاب الجرائم الإلكترونية، مع المساس بخصوصية المستخدم. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مخاوف من أن المشروع سيعزز قوة فايسبوك.
يومها، أكدت النائبة سيلفيا غارسيا، وهي ديموقراطية من ولاية تكساس، ضرورة نقل رسالة واضحة إلى الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زاكربيرغ، مفادها أنه «لا يستطيع العمل بمثابة كيان سيادي ويجب عليه الالتزام باللوائح التنظيمية». وقد اكتسب هذا التوجه زخماً مع تكثيف التدقيق التنظيمي، ما دفع العديد من الشركاء المؤسسين لجمعية «ليبرا»، بما في ذلك «باي بال» و«ماستركارد» و«فيزا»، إلى الانسحاب من المشروع. لكن تجدر الإشارة إلى أنه عند انتهائها من صنع نسختها من الميتافيرس، ستحتاج شركة ميتا إلى عملات مشفرة وNFT تسمح للمستخدمين باقتناء الأشياء وتسجيلها بأسهم في العالم الرقمي الموازي.
إذاً، لم تكن المشكلة مع «ليبرا» بالنسبة إلى ميتا، بل نتيجة مخاوف المشرّع الأميركي من منصة تحوي ثلاثة مليارات مستخدم، يريدون استخدام عملة غير الدولار الأميركي. هذه الفكرة قد تحول أيضاً دون وصول ماسك إلى ما يريد مع X. لكن العالم الذي فشلت فيه «ليبرا» تغيّر. الثورة الحاصلة في مجال الذكاء الاصطناعي عجّلت من ترداد أفكار مثل نظام الدخل العالمي (UBI) وإنشاء عملة رقمية مشفّرة عالمية مثل World Coin. أمور يُراد منها دفع مبالغ شهرية للناس بعد أن يحوّلهم الذكاء الاصطناعي إلى عاطلين من العمل. والمشرّعون بحاجة إلى اختبار وسائل تسمح لهم بنقل مدفوعات شهرية إلى الناس عبر عملة رقمية بسرعة، ويمكن لهم التحكّم بها ومراقبتها ومعرفة طريقة صرفها ومكانه.
لا شك في أنّ العالم الذي يتشكل أمامنا سيكون ديستوبيا مدهشة. هويّتنا الرقمية يُراد لها أن تصبح عالمية، مربوطة بما نملكه من مال وبسجلنا الصحي والقضائي والنفسي، وربما حتى العاطفي. مستقبل يتحوّل فيه الإنسان منذ ولادته، إلى رقم جديد في قاعدة بيانات هائلة تضم سكّان الكوكب. الحرية في أن تكون مجهولاً بعيداً عن ضجيج العالم، ستصبح ترفاً لا يملكه إلا مالكو التقنية.