الحسكة | منذ حادثة استهداف قاعدة «التنف» الأميركية غير الشرعية، على مثلث الحدود السورية مع العراق والأردن، من قبل فصائل «المقاومة الإسلامية في العراق» قبل أكثر من شهر، لم تنقطع محاولات الأميركيين تجاوز آثار الحادثة التي قتلت ثلاثة جنود وأصابت 34 آخرين، وضمان عدم تكرارها بعدما عُدّت اختراقاً أمنياً وعسكرياً كبيراً لهم. وبالإضافة إلى الخطوات التي لجأت إليها واشنطن، على غرار تعزيز قاعدتها تلك بعدد إضافي من الكاميرات الحرارية ومناطيد المراقبة، ونصب منظومات دفاع جوي إضافية متخصّصة بالتصدي للأهداف القريبة كالصواريخ القصيرة المدى والطائرات المُسيّرة الانتحارية، عملت على تشكيل مجموعات محلية لرصد أيّ تحركات مشبوهة ضد قواتها، وتعزيز قدراتها الاستخباراتية في هذا المجال. وفي السياق، أصدرت قيادة القاعدة الأميركية في منطقة التنف جنوبي سوريا، أخيراً، قرار إقالة قائد «جيش سوريا الحرة»، محمد فريد قاسم، من منصبه، وتعيين المقدّم المنشق عن الجيش السوري، سالم تركي العنتري، بديلاً منه، في محاولة لترميم الأمور داخلياً، وإنعاش الفصيل وتوحيده، والعمل على تقويته، تمهيداً لاستخدامه في تعزيز حماية منطقة التنف، ومحيط القاعدة فيها. كما طلبت قيادة «التحالف الدولي» من «المجلس العسكري لجيش سوريا الحرة»، تكثيف عمله، وزيادة عناصر الحراسة في المنطقة، وتعقّب أي تحركات مشبوهة في مخيم الركبان ومنطقة الـ55 كلم، في وقت جرى فيه تزويده بدفعة جديدة من الأسلحة، وإشراكه في مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، في محاولات لرفع معنوياته.
وتأتي هذه المساعي، فيما فشلت المحاولات السابقة في إنعاش الفصائل العسكرية في منطقة الـ55 كلم، بعد نحو عام ونصف عام من التشتت الذي عاشته منذ إقالة القائد السابق مهنّد الطلاع، وتعيين القاسم بديلاً منه، لقيادة فصيل «مغاوير الثورة» الذي تمّ تغيير اسمه لاحقاً إلى «جيش سوريا الحرة»، ما أسفر حينها عن توتر العلاقات مع الأميركيين. ولم تقتصر الأمور وقتها على العسكريين، بل تظاهر أهالي مخيم الركبان حينذاك احتجاجاً على التغييرات التي أجراها «التحالف»، حالهم حال «مجلس العشائر» و«المجلس المحلي» اللذين احتجّا على تلك التغييرات، فيما فرضت واشنطن القاسم وقيادة مجلسه بالقوة، وحاصرت مقرات الفصائل، وأجبرتها على القبول به مكرهة، أو تسليم أسلحتها ومغادرة المنطقة.
يأتي قرار إقالة القاسم بعد حادثة محاولة اغتياله بخمسة أيام


ومنذ تلك الفترة، بقيت الخلافات والانشقاقات والمكائد هي المسيطرة على الحالة العسكرية والمدنية في التنف، ما دفع القاسم إلى التحرك خارج مربع هذه المنطقة، ومغازلة «قسد»، ومحاولة تأسيس علاقات مع فصائل ومجموعات أخرى، لإثبات جدارته، إلا أن كل مساعيه فشلت، في حين تصاعد الرفض الأهلي لوجوده على رأس القيادة العسكرية، ووُجّهت اتهامات إليه بمحاولة فرض حكمه بالقوة، وارتكاب انتهاكات بحق عدد من العسكريين والمدنيين المعارضين له، بالإضافة إلى قيامه بإقالة وتجميد عدد من معارضي «قيادة جيش سوريا الحرة». ولعلّ حادثة الهجوم على رتل عسكري يرأسه القاسم، من قبل عدد من الأشخاص، كانت بمثابة رسالة احتجاج أخيرة إلى «التحالف»، بضرورة التحرك ووقف ممارسات المذكور وإبعاده عن المشهد العسكري للمنطقة.
ويأتي قرار إقالة القاسم بعد حادثة محاولة الاغتيال بخمسة أيام، وهو يترافق مع إحداث تغييرات عسكرية في بنية الفصيل، الذي أوكلت قيادته إلى سالم العنتري، المنحدر من مدينة تدمر، بعد أن كان مستبعداً من القيادة العسكرية بقرار من القاسم. والظاهر أن اختيار واشنطن للعنتري نابع من إدراكها أن وجود شخصية عسكرية من تدمر، سيجمع جزءاً من شتات الفصائل والأهالي، على اعتبار أن معظم القاطنين في مخيم الركبان، بمن فيهم العناصر العسكريون، ينحدرون من منطقتَي تدمر والسخنة في ريف حمص، ومن ريف دير الزور. وهنا، تؤكد مصادر ميدانية أن «قرار إقالة فريد القاسم جاء متأخراً، لأنه لم يحظَ بأيّ قبول من المدنيين والعسكريين منذ لحظة تعيينه»، متهمة إياه بأنه «على علاقة وثيقة بتنظيم داعش ورفض سابقاً قتاله علناً». وكشفت المصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «وثائق وصلت إلى التحالف عن تورطه في ملف المخدّرات، وارتكابه انتهاكات إنسانية بحقّ العديد من المدنيين والعسكريين، ما أجبر الأميركيين على القيام بالتغيير»، مشيرة إلى أن «الولايات المتحدة تسعى إلى كسب الحاضنة الشعبية، وإعادة توحيد جيش سوريا الحرة، ومحاولة زيادة عناصره، لإدراكها أهمية ذلك لتحقيق الحماية المطلوبة لقاعدة التنف».