بعد اكتشاف قارة أميركا اللاتينية في أواخر القرن السابع عشر، كانت المستعمرات الهولندية «البيضاء» هي من تسيطر على بلد في هذه القارة يدعى «سورينام» قرب البرازيل. حقق الهولنديون الكثير من الأرباح في سورينام، من خلال الزراعة واستغلال ثروات هذه البلاد وشحن الكثير من محاصيلها إلى مناطق هولندية كروتردام وغيرها. باتفاق «خبيث» بين كل من بريطانيا وهولندا، أصبحت سورينام جزءاً من هولندا، أو بمعنى أدق، استولت هولندا بشكل كامل على سورينام. اليوم، تعتبر اللغة الهولندية هي اللغة الأولى في هذه البلاد. بقيت القوّات الهولندية مستعمرة ومحتلّة إذا صح التعبير لسورينام حتى عام 1975، وهو تاريخ استقلال سورينام عن الاحتلال والاستعمار الهولندي. رغم هذا الاستقلال، لم يستطع الكثير من السكّان السوريناميين الأصليين التأقلم مع حياة جديدة وحكم ودولة جديدة، بسبب الفقر الذي انتشر بعد أخذ الهولنديين كل ثروات هذه البلاد. قرر الكثيرون من السوريناميين الهجرة إلى هولندا، نظراً لتوافر فرص العمل هناك، وتوفّر حياة أفضل من التي كانت في بلدهم الأم. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، شهدت هولندا ولادة جيل سورينامي - هولندي، وأجيال أخرى لحقته فيما بعد، ليصبح أبناء سورينام جزءاً أساسياً ومؤثراً في حياة هولندا والهولنديين. لمن لا يعلم أين هي هذه الدولة الفقيرة، يقول النجم الهولندي الكبير إيدغار دايفس والذي يحمل أصولاً سورينامية عن بلده، «سورينام لديها العديد من النقاط المشتركة مع البرازيل (لديها حدود مشتركة مع بلاد «السامبا»)، هناك الكثير من الفقر والكثير من الأطفال في الشوارع الذين لا يملكون المال، وينحدرون من منازل محطمة ولديهم الكثير من الوقت. إنهم يلعبون كرة القدم طوال الوقت ويتعلمون اللعب بأقدامهم العارية». وكأن بهذه الأوصاف موجودة في أماكن أخرى أيضاً، في مناطق «الفافيلاس» في البرازيل.
ساهم أبناء سورينام في نهضة كرة القدم الهولنديّة على مدى السنوات
في 1991، أقيمت مباراة خيرية بين كل من هولندا وسورينام، والهدف منها تمثّل بجمع التبرعات لأهالي وعائلات ضحايا تحطّم طائرة في باراماريبو عاصمة سورينام. لعب كل من النجوم الهولنديين المعروفين كرود خوليت وفرانك رايكارد وغيرهم من نجوم هولندا في تاريخ كرة القدم في صفوف منتخبهم الأم سورينام، انتهت المباراة حينها بفوز منتخب سورينام على هولندا بنتيجة (3-1). هولندا اليوم لم ولن تكون على ما هي عليه لولا هؤلاء المهاجرون السوريناميون، وهذا ما أكّده صحافي سورينامي يدعى هومبورتو تان، «هولندا كانت ستصبح في وضع أسوأ بكثير خلال ثمانينيات القرن الماضي لو لم يكن هناك تأثير من المهاجرين السورينام في تلك الفترة، فبدون سورينام، لكانت هولندا اليوم أشبه بألمانيا، ستكون الجدية طاغية على طباع الفريق، وسيكون هناك غياب واضح للإبداع». لكن في الوقت عينه، يرى اللاعب المميز السابق في صفوف كل من ميلان وأياكس، رود خوليت، أن أمستردام من المناطق التي يمكن لأي لاعب كرة قدم أن يتطوّر فيها. هناك ثقافة واضحة في هولندا، بناها الكبير يوهان كرويف، ولا تزال مستمرة حتّى يومنا هذا، حيث قال: «إن التدريب في هولندا هو أحد أفضل الأماكن في العالم، يتم رفع مستوى اللاعبين مع الانتباه إلى التكتيكات والتقنيات. وقد استفاد من هذا النظام عدّة لاعبين سوريناميين وكذلك اللاعبين الهولنديين أيضاً، ساعد هذا الخليط على إنتاج فرق مثيرة ومنتخب مثير ومميز وجعلنا على ما نحن عليه الآن».
وحتى اليوم، لا تزال هذه الأصول والأجيال السورينامية تخرّج اللاعبين الذين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من المنتخب الهولندي، لاعبون أمثال جورجينيو فينالدوم لاعب ليفربول، فان دايك، ميشيل فورم لاعب توتنهام. العلاقة التاريخية بين هذين البلدين أنتجت جيلاً مميزاً من كرة القدم الهولندية، بل إنه جيل ذهبي، أثبت للعالم أن هذه الشعوب المهمّشة والتي عانت من ويلات الاستعمار، تخرّج المبدعين في كرة القدم، لاعبون ككلارنس سيدورف، رايكرد، خوليت وغيرهم الكثير.