أحد أسباب انحطاط الشعوب هو حثالتها، ولا شكّ أن شعوبنا يفتك بها وباء الحثالة. في بعض الحالات يمكننا تسميتها باسمها الثلاثي، سامي بن أمين الجميّل، محمد بن راشد آل مكتوم، محمد بن سلمان آل سعود، عبد الله بن حسين الأردني، أبو مازن أنطوان لحد. في الحالات الأخرى نعرفهم فرداً فرداً في الدوائر الصغرى. على مدى الأشهر الستّة الماضية، طافت هذه الطبقة رغم أن كل الظروف كانت تدعوهم إلى التخفّي بل ترجوهم أن يتخفّوا، لكنّهم حثالة ولا يستطيعون الانزواء.هؤلاء يدركون أن هزيمة «إسرائيل» الحتميّة هي هزيمتهم أيضاً. كل محاولاتهم للتقرّب من الرجل الأبيض حطّمها يمنيٌّ ينظرون إليه باحتقار. ما أكبرك يا اليمنيّ. ما أكبرك يا الغزّاويّ الذي عبر في السابع من أكتوبر المجيد. نصر القساميّين سُطِّر في كتب التاريخ. وحثالة قومنا لم يستوعبوا هزيمتهم بعد.
ما هُزم فعلياً هو ثقافة الهزيمة التي طالما روّجوا لها. اليوم، وبعد ستة أشهر، لا تزال غزة المدينة تقاوم مقاومة الجبابرة. أمّا غزّة القطاع فعصيّة على الغزو. هذا ما لا يفهمه الحثالة. يكثر الحديث عن سيناريوهات اليوم التالي، لكن ما تدركه الحثالة جيّداً ولذا هي مرتعبة، هو أن لا يوم تالياً لها. أتظنّون فعلاً أن هناك من يقبضكم جدّياً بعد اليوم؟ أتدركون أنّ الغبار على كندرة يحيى السنوار أو محمد الضيف أكبر من سيّدكم الأبيض؟ كيف تواجه هؤلاء الحقراء في مقاهي المدينة دون إعلامهم برأيك بهم؟
لست أنا من يحتقركم، بل الشعب برمّته يراكم كما أنتم. أيُعقل أن يُبْهر إنسان بمحمد بن سلمان؟ ما مدى الانحطاط الذي يصيب المرء ليرى في معتوه خلاصاً؟ الجمال في قبح الحرب التي نعيشها هو أن الحثالة يتقزّمون يوماً تلو آخر. يخفون ذكرهم إذ ليس لذكرهم معنى. «يعتّلون» الموارد من الخليج إلى البحر الميّت لإطعام الوحش البائد الذين يراهنون عليه لإعلاء حثالتهم علينا، نحن الشعوب. خسئتم يا صنائع الاستعمار. من قاوم 76 عاماً لن ينهزم أمامكم. هذا شأن الحكّام، رؤساء أو زعماء كانوا أو أمراء أو ملوكاً. فما بالكم بعبيدهم؟
الحثالة يعرفون مستقبلهم لذا تزيد قذارتهم في لحظة الهزيمة. المسلّة تنعر إبطهم كما يقول المثل. الأشهر الستة التي مرّت عرّت الجميع. بالأخصّ كل من ينتظر فرصة ليعبّر عن حقارته. يظنّون أنهم قد ينجون. أربعون ألف شهيد في غزة ويظنّون أنّهم قد ينجون. هذه حثالة يتوجب علينا أن نبيدها. في حرب الإبادة القائمة على شعبنا لا بدّ أن نبيد حثالة قومنا. سننتصر حتماً لكن لن نسمو وَهُمْ بيننا. إبادتهم ليست بقتلهم وحشيّاً على طريقة أعدائنا، بل بإزالة سبب وجودهم. الأذلّاء يُزالون بإبادة آلهتهم الذين جعلوهم يدمنون على الذلّة. في المقابل هناك من قال هيهات منّا الذلّة. في المقابل هناك من لا يخنع، من يضحّي، ويصنع مستقبل أمّة. في المقابل هناك أهل غزّة ومن يعبدون أهل غزّة. فهم آلهة الحقّ. غزّة مكّة جيلنا. غزّة كعبتنا. غزّة ليلة قدرنا. غزّة مقبرة حثالتنا.