بدأت جمعيّة «تيرو للفنون» و«مسرح إسطنبولي» عملية إعادة تأهيل سينما «الكوليزيه» في شارع الحمرا بهدف تحويلها إلى «المسرح الوطني اللبناني» في بيروت، استكمالاً لمشاريع سابقة مشابهة في صور والنبطية وطرابلس، إذ جرى تأهيل وافتتاح دور سينما مقفلة وتحويلها إلى مراكز ثقافية مستقلة ومجانية، تحتضن ورشاً فنية للأطفال والشباب ومعارض ومهرجانات فنيّة، وتكون مساحة لعرض أعمال المواهب الشابة. إلا أنه خلافاً لباقي المشاريع، فإنّ ورشة إعادة تأهيل «الكوليزيه» لا تخلو من صعوبات نظراً إلى حجم الأعمال المطلوبة وكلفتها، وخصوصاً أنّ الهدف المعلن من إعادة الترميم ليس مجرد لمسات بسيطة تسمح لهذه السينما بالعودة تدريجاً إلى الحياة، بل ورشة متكاملة «لإعادتها كما كانت في حقبة الخمسينيات، بما يُشعر كل مَن سيقصدها بأنه عاد بالزمن إلى الوراء من حيث الشكل والروح» وفقاً لمؤسس «المسرح الوطني اللبناني» الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي.
شكل ترك عليه الزمن ندوبه بقسوة. فالسينما التي تأسست عام 1945 أطفأت شاشتها عام 1983 أو 1984 كما تفيد المعلومات المتوافرة، وتركت لمصيرها، حتى «باتت خالية من الكراسي فيما انهار جزء من سقفها» وفقاً لإسطنبولي. علماً أن «قاعتها تتّسع لحوالى 500 كرسي ما بين الصالة والبلكون، والتصوّر المرسوم لها هو أن تتحول إلى مركز ثقافي شامل يضم سينما ومسرحاً ومكتبة عامة ومقهى». ومن أبرز الخطوات التي بدأ العمل على إنجازها حفظ أرشيف سينما «الكوليزيه» وملصقاتها ومقتيناتها القديمة. «لقد وجدنا عدداً كبيراً من الملصقات والكتب والمجلات التي تُعنى بالسينما والموسيقى، وبدأنا عملية حفظها كي تكون معروضة عند الافتتاح».
مشروع ضخم نسبة إلى حال المكان وموقعه، ما يفرض عملية تمويل كبيرة، يبدو أنها غير متوافرة حتى الآن بالقسم الأغلب منها، وتنتظر مبادرات ومساعي مستقبليّة. يكشف إسطنبولي أنّ «عملية تأهيل أولية بدأت، لكن المراحل التالية تتطلب شركاء. وقد نلجأ إلى تنظيم حملات تمويل عبر الإنترنت. وبالتالي لا توقيت محدّداً لوقت الافتتاح».
واقع يدفع الكاتب والمسرحي والناقد اللبناني عبيدو باشا، إلى التساؤل عن «مصدر التمويل، وخصوصاً تحويل صالة سينما إلى مسرح يتطلّب تأمين تجهيزات هائلة، فكيف الحال وموقع الصالة في شارع الحمرا حيث ستكون الكلفة أكبر؟ علماً أن إيجار صالة لليلة واحدة يكلّف ما لا يقل عن 500 إلى 700 دولار». ويحذر باشا من «الصناديق التي قد تتولى التمويل ومن أهدافها وخططها، وطرق ولوجها المجتمع اللبناني من زوايا وقطاعات مختلفة».
بعيداً من التمويل ومصدره، يربط باشا جدوى الاستثمار بمشروع مماثل بالإطار التاريخي والجغرافي العام لشارع الحمرا، «الذي انتهى دوره منذ تحوّل وظيفة المنطقة التجاريّة لوسط بيروت. فشارع الحمرا امتداد للوسط التجاري، الذي كان مساحة مشتركة يلتقي فيها اللبنانيون كافة. وحين ضرب الوسط ونسف دوره، ضرب امتداده الجغرافي والثقافي وبدأت السينمايات والمراكز الثقافية والمسارح تغلق أبوابها». ويلفت باشا إلى أنّ «كل من حاول سابقاً تحويل صالة سينما إلى مسرح، عاد واستسلم. فلا يمكن لأحد أن يتخطّى العلاقة التي تربط المنشأة الفرديّة بالإطار العام للشارع. فسينما «جان دارك» توقفت. و«المارينيان» تحولت إلى «مسرح بابل» قبل أن تقفل قبل سنوات. حتى «البيكادلي»، سمعنا الكثير عن نية وزارة الثقافة ترميمها ثم تولّي شركة «الصباح» المهمّة، ثم انطفأ الحديث عن الموضوع». ويبيّن في هذا السياق أنّه «مقارنة بباقي السينمايات التاريخية في الحمرا، فإنّ «الكوليزيه» كانت سينما هامشية نوعاً ما، ولم تلعب دوراً ثقافياً بارزاً. ما كان يميّزها ربما أنها كانت تعرض أفلاماً فرنسية».
يشدّد إسطنبولي على أن «مشروع إعادة تأهيل «الكوليزيه» لا ينفصل عن المبادرات الأخرى التي شملت تأهيل وافتتاح دور سينما أخرى في الجنوب والشمال. فالمخطط العام والأشمل يقوم على ربط المناطق ببعضها وخلق لامركزية ثقافيّة، بحيث يتحول المثلث بين صور وطرابلس وبيروت إلى حاضنة لـ «المسرح الوطني اللبناني» الذي قمنا بتأسيسه، وجعل الفن للجميع».
تعبّر سيدة المسرح اللبناني ورسولته نضال الأشقر عن فرحتها بإعادة تأهيل سينما «الكوليزيه»، مضيفةً «افتتاح مسرح في لبنان في هذه الظروف أمر رائع. لكن التحدي ليس في الافتتاح بقدر ما هو في الاستمرار. تمويل مسرح صعب ومرهق ومكلف. نشحد كل السنة من الناس للصمود، ونحن في «مسرح المدينة» لم نتلقَّ يوماً مساعدة من أي جهة أجنبية. وفي ذكرى 30 عاماً على تأسيس «مسرح المدينة» في أيلول (سبتمبر) المقبل، سنضع على حائط أسماء كل المتبرعين من دون استثناء. مصدر تمويلنا الوحيد هو من الأصدقاء. وبعيداً من التمويل، هنالك الالتزام. يتطلّب المسرح تضحية مستمرة، وأنا دفعت من مهنتي وتوقفت عن الإخراج والتمثيل وكرّست نفسي ووقتي لإنجاح المسرح».
وحول مفهوم اللامركزية الثقافية، تتساءل الأشقر عن «معنى اللامركزيّة الثقافيّة. اللامركزيّة الثقافيّة مهمة الدولة الواعية، وللأسف تأخرنا كثيراً على وعي الدولة». أما عبيدو باشا، فيلفت إلى أنه «إذا كانت فنانة بحجم وقيمة نضال الأشقر تعاني للإبقاء على «مسرح المدينة»، فهل سينجح قاسم في خلق لامركزيّة ثقافيّة؟»