رغم المخاوف التي سبقت دورته الحالية ورافقتها، انطلق «مهرجان البستان» قبل نحو أسبوعين وتوالت أمسياته من دون مشكلات كبيرة، باستثناء إلغاء عازف البيانو الأرجنتيني نلسون غورنر مشاركته (في 29 شباط/فبراير الماضي) لأسباب صحّية. فتوتّر الجبهة الجنوبية واستعار الحقد الإسرائيلي في غزّة وتلاعب مؤشّر الآمال المتعلّقة بالهدنة المنشودة، رافقت الدورة الحالية يوماً بيوم.

الافتتاح كان جيداً كأمسية، ولكنه لم يرْقَ إلى المستوى المتوقّع من موعد يلعب دور «الواجهة» للدورة برمّتها. بعد ذلك قدّم عازف البيانو الإيطالي جيوزيبيه أندالورو أمسيتَين، حضرنا الثانية منهما. إنه عازف مغمور ولكنّه بالتأكيد يستحق تقديراً أكبر، نسبةً إلى مستواه التقني المذهل ورؤيته الفنية الخاصة للأعمال التي قدّمها (رغم أن البيانو في الأمسية الثانية لم يسعفه كثيراً، وكذلك الـ«أكوستيك» في كنيسة مار أسطفان على شاطئ البترون). خلال الأمسيتَين، وجّه أندالورو تحية إلى غزّة بكلمات قليلة، هادئة ونابعة من تضامن إنساني صادق. من الأمسيات التي شاهدناها أيضاً، تلك التي خصصها المهرجان للأغنية الفرنسية، مع المغني سيرجيو غالفان الذي رافقه ثلاثة موسيقيين، على رأسهم عازف الأكورديون فيليسيان بروت الذي يمكنه أن يخوض مجال الـ«ستاند-أب كوميدي» بجدارة، لخفة ظلّه التي خفّفت من الوجوم التاريخي الذي تتّشح به غالبية جمهور «البستان» (ربما لأنّ «الهمشرية» آفة بروليتارية).
تستمر الدورة حتى 17 آذار (مارس) الجاري. بالتالي نحن الآن في منتصف الطريق، ويلاقينا هنا عملاق مدرسة البيانو الروسية من الجيل المخضرم، بوريس بيريزوفسكي، الذي يقدّم أمسيةً «لن تُلغى» بالتأكيد، لأن العازف الكبير وصل إلى لبنان، وقد شاهدناه أول من أمس في أروقة فندق «البستان»، متنقلاً بين كرسيَّيه المفضّلَين: كرسي البار وكرسي البيانو! بيريزوفسكي يلبّي دعوة «البستان» للمرة العاشرة، ويقدّم أمسيةً أولى الليلة في برنامج يستهلّه بسوناتتَين لبيتهوفن (الثامنة الشهيرة والـ13 العظيمة ولكن المكسوفة من جارتها «ضوء القمر» أو الرقم 14). مَن «يُحَمّي» ببيتهوفن، لن يرضى بأقل من تذويب أوتار البيانو عبر عملٍ للروسي المغمور سيرغي ليابونوف (تمرين يستند إلى إيقاع رقصة فولكلورية قوقازية)، يليه تحية غير معلنة للباليه الروسي بشقّه الثوري موسيقياً، مع إعداد للبيانو لمقتطفات من «روميو وجولييت» لسيرغي بروكوفييف، ثم يختم بنار على نار مع «العصفور الناري»، ثاني أشهر باليه تركه «أوبنهايمر» الموسيقى الكلاسيكية غير النادم على فعلته، إيغور سترافينسكي. غداً، تنضمّ إلى بوريس ابنته إيفلين في برنامج من أربعة أقسام: تنفرد هي في أعمال لرافيل (من بينها الـ«فالس» يا إلهي!)، ثم يلاقيها الـ«папа» في عملٍ لعازفَي بيانو لدوبوسي، بعدها ينفرد هو في تحفة غرشوين «رابسودي إن بلو»، قبل أن يختم، في القسم الرابع، بارتجالات على أنغام البلوز مع موسيقيين ينضمّون إليه. في المناسبة، تتزامن هذه الأمسية الضخمة موسيقياً والمتينة فنياً والراقية حضارياً، هنا، في لبنان-الضيعة، مع الأمسية الحدث (الإعلان الترويجي) هناك، في فرنسا-الأنوار، بعنوان «كونشرتو من أجل السلام»، وهو عمل يُلعَب للمرة الأولى في العالم (الإعلان الترويجي) مع الأوركسترا السمفونية في بيزييه، وهي أقدم مدينة فرنسية (الإعلان الترويجي)، لـ… (اقرعوا الطبول): عمر حرفوش! يشارك في الأمسية كعازفة منفردة على الكمان آن غرافوان (الإعلان الترويجي)، وهي زوجة رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق مانويل فالس (الأخبار). هذا تعريف كيفية عمل المافيا (صديق).

* الليلة وغداً الأربعاء ــ الساعة الثامنة مساءً ــ قاعة إميل بستان في «فندق البستان» (بيت مري). للاستعلام: 04/972980