يتصرف الجميع مع الفرنسيين بلياقة وكياسة وفق ما تفرضه اللغة الفرنسية نفسها. لكنّ اللياقة شيء والاحترام أمر آخر. لم يكن ينقص الفرنسيين في هذا السياق سوى إعلان فشلهم الذريع في هذا البلد الصغير الذي يقولون إنهم يتمتعون فيه بنفوذ كبير. ثلاث مبادرات فاشلة في ثلاث سنوات. كانت الدبلوماسية القطرية أكثر نباهة بكثير في التعامل مع الملف اللبناني: استبدلت الدوحة الطبل والزمر الفرنسييْن بعمل صامت وهادئ، من دون قصور صنوبر ومبعوثين وتصريحات شبه يومية. لم يقولوا أبداً إن الحل أو الربط عندهم، بل واصلوا القول إن القرار الرئيسي يعود للسعودية. تحدّثوا عن أفكار بدل توريط أنفسهم في مبادرة جامدة. لم يقاطعوا هذا ويهددوا ذاك بالعقوبات، بل اعتمدوا الحوار المفتوح مع الجميع وإن أبدوا اهتماماً بأفرقاء أكثر من آخرين. وبدل أن «يقطفوا» اجتماع «الخماسية» في الدوحة ليسوّقوا ما يريدونه (عبر إشارة ما إلى قائد الجيش مثلاً)، أصرّوا على كتابة بيان الدوحة بحبر سعوديّ خالص. فهم القطريون باكراً ما تريده السعودية، وآثروا إيجاد موقع لأنفسهم خلف الرياض لا أمامها. للسعودية كتابة النص ولقطر الإخراج. إحاطة أميركية للنزعة السعودية التحررية الجديدة عبر كل من قطر ومصر. تضع السعودية التصور الأساسي ويعود لقطر (ومصر) متابعة التفاصيل بكل ما يكمن فيها من شياطين.
الحل اللبنانيّ مستحيل قبل التواصل المباشر بين الرياض وحزب الله
انتهى في الدوحة أول من أمس الجزء الفرنسيّ من سياق أُعلن عنه قبل خمسة أشهر. لكنّ للسياق نفسه جزءاً قطرياً - أميركياً - مصرياً سيكمل الآن بدفع أكبر، معوّلاً هو الآخر (كما الفرنسيين سابقاً) على إمكانية التقاطع مع السعوديين. وإذا كان القطري يعلم أن مشكلة السعوديين مع حزب الله أصغر من مشكلتهم مع الحوثيين والحشد الشعبي، فإنه يعلم أيضاً أن الحل اللبنانيّ مستحيل قبل التواصل المباشر بينهما. وإذا كان للحوار السعودي - الحوثيّ والسعوديّ – الحشديّ أكثر من ضابط إيقاع موثوق أميركياً، فإن القطري يريد أن يكون هو ضابط الإيقاع، علماً أن للطرفين صديقين مشتركين هما قطر وسوريا؛ واحد يريح الأميركيين ويطمئنهم.
هذا التغيير في الأوراق الخارجية لا بد أن يوازيه تغيير في الأوراق الداخلية. ما يقوله السعوديون واضح اليوم: لا يمكن أن تطلب غطاء سعودياً للعهد المقبل، وإشارة من الرياض لبعض الكتل النيابية لتأمين النصاب وربما الأصوات لانتخاب سليمان فرنجية، ودعماً مالياً سعودياً، وثلثاً ضامناً في أيّ حكومة إلى جانب وزارة المال، وإشارة أميركية إيجابية لصندوق النقد الدولي، وتحييداً للبحث في السلاح... هذا كله مقابل إعطاء المملكة رئيس حكومة تعتبره تحصيلَ حاصل. في مواجهة هذا الوضوح وهذه المطالب المتراكمة، لا يمكن للتيار الوطني الحر وحزب الله اللذين خاضا معاً - رغم تناقضاتهما - كل المواجهات السابقة، أن يمضي منقسمين نحو طاولة المفاوضات؛ المفاوضات لا الحوار.