كلا المنطقين احالا ملف النازحين مأزقاً مزدوجاً لسببين على الاقل: انقسام الرأي بين اللبنانيين انفسهم حيال إعادة اولئك، واشتباك غير مخفي بين وجهة نظر رئيس الجمهورية ومن ورائه وزارة الخارجية مع المجتمع الدولي المصر على العودة الطوعية، غير المستعد لمناقشة هذا الموقف اذ يعتبره في صلب تقاليد تعاطيه مع مشكلات النزوح المتعاقبة، بربط العودة بارادة النازحين انفسهم.
تعبيراً عن تصلب المجتمع الدولي، قال سفيران غربيان بارزان، مهتمان بملف النزوح، لمسؤولين لبنانيين ان عليهم ان لا يتوقعوا تبدلاً في موقفه بالتخلي عن العودة الطوعية، قبل ان يسارعا الى القول للمسؤولين اللبنانيين: اياً يكن موقف الغرب، سواء تأخر الحل السلمي او لم يحصل، في وسع لبنان اتخاذ «قرار سيادي» والتصرّف على انه يريد معالجة المشكلة بنفسه.
في معرض تبسيطهما الحل، نقل السفيران الملف الى المكان الاكثر تعقيداً وتعذّراً، وهو اتفاق الحكومة اللبنانية على «قرار سيادي» يمكّنها من حل ازمة النزوح.
لم يكن كل ما قيل في جلسة لجنة الشؤون الخارجية، كما السجال الذي اعقبها، وكذلك من قبلها حتى بين الوزراء المولجين ديبلوماسياً وسياسياً واجتماعياً ملف النزوح، الا تأكيداً اضافياً على استحالة توافق السلطة الاجرائية على خطة إعادة النازحين، مع ان بيانها الوزاري تحدّث عن عودتهم الآمنة الى بلدهم، وهو المبدأ الذي ينادي به رئيس الجمهورية. مع ذلك، رغم اصراره عليه ثلاث مرات في اقل من ثلاثة اسابيع، على مستويات رفيعة للغاية، في موسكو ثم في القمة العربية في تونس ومن قبلهما امام وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، يُنظر الى موقف رئيس الجمهورية على انه احد المحاورين في هذا الملف، وليس المحاور الوحيد.
منذ تدفق نزوح السوريين على لبنان من النصف الثاني من عام 2011، كمنت استحالة التوافق على خطة لجبهه في الحكومات المتعاقبة. في السنوات الثلاث الاولى منه، في عهد الرئيس ميشال سليمان (2011 - 2014)، طُرحت في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عدة حلول، ولم يكن عدد هؤلاء استفحل بالمقدار الذي حصل في السنوات التالية، واضحى يوازي ثلث اللبنانيين.
اول الاقتراحات انشاء مخيمات يُجمع فيها النازحون عند الحدود اللبنانية - السورية في الجانب اللبناني او الجانب السوري، حيث يتوافر الاستقرار، ايده سليمان لكنه فضّل عرضه على مجلس الوزراء، فرفضه وزيرا وليد جنبلاط.
طُرح اقتراح ثان باقفال الحدود بين البلدين لمنع تدفقهم، فرفضه الفريق نفسه.
طُرح من ثم اقتراح ثالث قضى بإقامة مخيمات في المناطق اللبنانية على نحو تجمعات، فرفضه وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة امل بحجة انه يستعيد تجربة المخيمات الفلسطينية، ويكرّس بقاء هؤلاء كأولئك، فسقط ايضاً.
سفيران غربيان: للبنان ان يتخذ «قراراً سيادياً» بإعادة النازحين
حينذاك كان تيار المستقبل خارج حكومة ميقاتي، ما اتاح له ممارسة ضغط مذهبي حيال رفض اقامة مخيمات لهم، تسبّب في انتشارهم في كل البلاد. راهن الافرقاء الذين احجموا عن الانضمام الى تلك الحكومة، كتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، بحماسة مبالغ بها، على ان نظام الاسد آيل الى السقوط في وقت وشيك، فقاربوا النزوح على انه مرحلة عابرة موقتة، تنتهي بانهيار حكم الرئيس السوري فيعودون اذذاك الى بلاد يحكمها نظام آخر.
التقى افرقاء الحكومة وقتذاك على وجهة نظر ضمنية، هي ان انتشار النازحين خارج مخيمات مراقبة مضبوطة - كيفما كان وحيثما كان - أهون حلاً من وجودهم فيها، مأخوذين بذعر تكرار تجربة المخيمات الفلسطينية. انفلش تمدّد النازحين في كل الارجاء، فأفضى الى ضلوع اعداد وفيرة منهم في خلايا ارهابية.
شأن سقوط الاقتراحات الثلاثة داخل مجلس الوزراء، سقط كذلك الرهان على سقوط الاسد. بسبب امتلاك كل من افرقاء الحكومة، كما تيار المستقبل من خارجها، الفيتو المذهبي المانع لاتخاذ قرار لا يحظى باجماعهم، تعذّر وضع خطة جبه ازمات النزوح، فانتقل الملف برمته الى حكومة الرئيس تمام سلام طوال سنتين وخمسة اشهر في ظل فراغ رئاسي، من غير ان يناقش فيه.
لعل المفارقة في الامر ان احداً لا يسعه التنبؤ بخطة لاعادة النازحين: لا الرئيس الضعيف كسليمان، ولا الرئيس القوي كعون، ولا الفراغ الرئاسي.
كان ثمة اقتراح رابع طرحه سليمان من خارج مجلس الوزراء، منذ حزيران 2012، مع انشاء مجموعة الدعم الدولية للبنان وادراجها موضوع النازحين بنداً رابعاً في برنامجها، قضى بتوزيعهم «العادل» على دول عربية، الى جانب مدّ لبنان بمساعدات مالية قررتها المجموعة. اللافت في جولة عربية لسليمان لتسويق اقتراح التوزيع ان الكويت قالت له ان في الامارة غير كويتيين اكثر من الكويتيين، وقطر طلبت منه ان ينتظر ثلاثة اشهر كي يسقط نظام الاسد. اما السعودية فلاذت بالصمت.