هي امتداد لكارلو ريفي وآخرين ممن كتبوا ضدَ الفاشية والفساد الذي تقوده كامورا
مقالات مرتبطة
تقول فيرانتي إن الكتاب أقوى من الكاتب: «اخترت، بدلاً من أن يحبسني القراء في الكتاب، أن أحبس شخصياتي في الكتب. هذا تكبّر، وهذا من سمات الكتاب: التكبر والاختلاف. الكتابة ليست عملاً عادياً». لكن الخوف من الكامورا (التسمية المتداولة للمافيا في أكبر مدن جنوب إيطاليا) عامل قابل ليؤخذ في الاعتبار. عامل آخر في هذا السياق، هو اختيارها لسرد حيوات أشخاص قريبين منها، وأماكن يمكن القول إنها شخصية. غير أن هذا ليس سبباً حاسماً، ويبقى السبب الحاسم هو رغبة فيرانتي نفسها بأن تتحول إلى كتاب على رف، بدلاً من أن تكون صورة في صحيفة، من دون أن يلغي ذلك، أن ثمة نقداً يوجه لطفرة الذاتية في رواياتها. هذه الذاتية، شكلّت مدخلاً لكثير من المهتمين للبحث عن هوية فيرانتي الأصلية انطلاقاً من نصوصها. في تحقيق نشرته أخيراً صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الشهيرة، توصل الفيلولوجي (عالم اللغة ومحقق النصوص) الإيطالي ماركو سانتاغاتا بعد دراسته للنصوص، إلى أن إيلينا فيرانتي، هي مارشيلا مارمو، التي ينطبق عليها زمنياً وطبقياً ما ينطبق على إيلينا في «السلسة النابوليّة» لفيرانتي. ذهب إلى «جامعة فيدريكو الثاني» في بيزا وراجع السجلات ودرس الإمكانات الاقتصادية لطلاب الحقبة، خالصاً إلى أن طالبة واحدة في وقتٍ ما كانت من نابولي آنذاك، وهي إيلينا فيرانتي، أو البروفسورة التي تدرّس التاريخ في الواقع، مارشيلا مارمو. إنها جامعة لطلاب الطبقة الوسطى وما فوق، وفيرانتي تكثر في روايتها من النزعة البيداغوجية، مشددة على أهمية التعليم لتجاوز الطبقة السفلى التي أتت منها. تعززت قناعة سانتاغاتا بعدما اكتشف أن ثمة سلسلة قرابة بين مارشيلا مارمو وكارلو ريفي، مؤلف كتاب «المسيح يتوقف في إيبولي» الذي يناهض الفاشية كنظام متفشٍ. وهذا ما يمكن لمسه أيضاً في كتابات فيرانتي نفسها. خصوصية المجتمع النابوليّ بوجود الكامورا ساطعة في رواياتها. في صقلية يمكن أن تكون المافيا هي ندرانغيتا أو كوزا نوسترا، لكنها في نابولي كامورا الصاخبة. فيرانتي، هي امتداد لكارلو ريفي وآخرين طبعاً، يكتبون ضدَ الفاشية انطلاقاً من موقف أهلي ضدّ النظام وضدّ الفساد الذي تقوده كامورا (هنا يمكن احتمال الخوف عاملاً أساسياً في التخفي). بيد أن عمل سانتاغاتا ليس بالضرورة أن يعني شيئاً. لقد ذهب إلى مارشيلا مارمو محملاً بكل هذه الحقائق، فأبدت الأخيرة استغراباً شديداً، ونفت نفياً قاطعاً أن تكون هي الكاتبة النابوليّة الشهيرة إيلينا فيرانتي.
ليس هناك ما يدعو للتفاؤل بظهورها في حال فوزها بـ «بوكر». يمكن للناشر أن يستلم الجائزة. الذي يقرأ فيرانتي سيستجيب لرغبتها بالتخفي، من دون أن يستطيع كبح رغبة التعرف إليها. توصل النقاد الإيطاليون إلى قناعة بأنّ شخصيتها الحقيقية لا تهمّ، ولو حازت «بوكر» أو «نوبل». المهم هو تلك النصوص القادرة على إيجاد مساحةٍ للجميع بداخلها. كان بعض النقاد الإيطاليين يضربون على الطاولة تفاعلاً مع نصوصها... السرّ في النصوص نفسها!