فبالنسبة إلى «جلال» فقد كانت النساء سبب سعيه لتحدي الموت، والرغبة فى الخلود، وكانت النساء سبباً في موته أيضاً. بينما كانت عند عمرو دياب وسيلة من وسائل إثبات خلوده، لذلك فدائماً ما يتقصّد عمرو دياب أن يكون محاطاً مع نساء أصغر منه في العمر، فتيات جميلات تلمع أعينهن كلّما نظرن إلى وجهه، ليؤكد لنا ولنفسه، على أنه يمتلك «إكسير الشباب» الدائم. وكما كانت «زينا» الشقراء بمثابة الضربة الأخيرة لنهاية «جلال»، فالنساء فى حياة عمرو دياب يشكلن نهايته المتكررة، إذ كلما أطلّ علينا مع فتاة جديدة مظهراً التباين في الأعمار بينهما بدت علامات تقدمه فى السن أكثر. على هذا النحو، يخسر عمرو دياب من يسعى لإرضائهن بهوسه في خلوده، وفي شبابه الدائم، لأن السخرية منه ومقارنة هيئته بما كانت تبدو عليه في السابق فاقعتين، هكذا تعمل وسيلته، أي الإحاطة بالفتيات الجميلات الأصغر منه سناً بوصفهن «إكسير الشباب»، عكسياً ضده.
لقد طبّق جلال وصية الساحر «عِش عاماً كاملاً في جناحك، لا ترى أحداً، لا يراك إلا خادمك، تجنَّب ما يذهلك عن نفسك»، وهذا ما طبّقه عمرو دياب أيضاً. فهو لا يظهر فى تصريحات تلفزيونية، وإن ظهر وتكلّم فيكون الحوار بمثابة تكريم له، واحتفاء به إلى حدّ بالتبجيل. وإن تكلم فلا يتجاوز مستوى حديثه ما قاله للملحن هاني شنودة: «أنا لسه 19 سنة. هاهاها»، وإن ظهر على الإعلام فتكون النتيجة كما حدثت عام 2008 حين قدّم عمرو دياب برنامج «الحلم» حيث أصبح أول فنان عربي حيّ يصنع فيلماً تلميعياً عن مسيرته الفنية، مشاركاً كضيف رئيسي في حلقات البرنامج ويحكي قصة صعوده ونجاحه الكبير.
أمامنا نموذجان، «جلال» وعمرو دياب، يمثلان أسطورة «أوتونابشتم»، حيث الإدراك بأن الخلود جسدياً يشترط الانعزال التام. أو بقول عمرو «ده جمال ينعزل في مكان مفيهوش مخلوق». فالآخر عند دياب هو تهديد وخطر، وأن ينشر صوراً له يظهر فيها علامات تقدم السن والترهل فذلك يُعتبر، بالنسبة إليه كابوساً يقارن مع هلع الجمال الخالص عند باربي. لكنّ باربي في نهاية المطاف ضحية تشكيل اجتماعي وأدوار اجتماعية، حيث الشروط التي يفرضها المجتمع على المرأة تفضي إلى عدم إظهار التقدم في السن، وأن تبقى الفتاة شابّة إلى الأبد، بينما عمرو دياب حفر فخّه بيده. فقد اخترع الهلع وعاش في داخله ذلك لأنه يملك ما لا يريد الاستغناء عنه: أن يكون رجلاً، غنياً، وذا شهرة وسلطة. فالعزلة والخوف اللذان يسيطران على عمرو دياب هما نتيجة تمسّكه بل تعلّقه بما يمتلكه، ما يجعل رغبته بالخلود فائقة. وهلع عمرو دياب قد فضحته حفلته التي أقيمت الأسبوع الفائت في لبنان. فقد اشترطت الجهة المنظّمة لحفلته على الصحافة اللبنانية توقيع تعهد بـ«عدم نشر أي أخبار سلبية عن الحفل والاقتصار على نشر الإيجابيات فقط» ما سبّب في جدل واستهزاء عند الرأي العام. حتى في حفلته، وسط الجمهور المكوّن من آلاف الأشخاص، يبحث عمرو دياب عن شرط الخلود، أي العزلة. إن رحلة الخلود التي خاضها «جلال» ويخوضها عمرو دياب أشبه برحلة عذاب برومثيوس. ومهما أراد عمرو دياب أن تكون سيرته كما وردت في رواية «الحرافيش»: «لن يبتلى بالتجاعيد ولا بالشيب ولا بالوهن. لن تخونه الروح، لن يحملَه نعش، لن يضمَّه قبر. لن يتحلَّل هذا الجسدُ الصلب، لن يتحوَّل إلى تراب، لن يذوق حسرة الوداع» إلا أن قصة «الحرافيش» إن أخبرتنا بشيء، فهو أن المهووس بالخلود، المحتقر الفناء، «جلال ذو الجلالة»، قد مات.