ثم هناك طبعاً البيئة الطبيعية ثانياً، حيث الضرر لا يمكن تحديده بعد، وحيث المعالجة أكبر من أن تقدر بكلفة حتى اللحظة.
بدء تكوّن خطاب معارض للبيوتات السياسية بعد التحالف العوني ـــ القواتيومن أجل القياس والمقارنة أيضاً، سنة 2008 أدى حادث لدى إحدى شركات النفط إلى تلويث بحر. فدفع مالكوها مليار دولار عطلاً وضرراً. في حادثة أخرى دفعت شركة نقل نفط، 2.5 مليار دولار غرامة تسرب حمولة باخرة واحدة إلى ماء شاطئ. كم باخرة رمينا في بحرنا وأرضنا ومياهنا الجوفية؟ وكم هي كلفة تنقية بلدنا من قاذورات ثمانية أشهر؟ وهل من سيدفع، من الذين قبضوا ويقبضون من القابضين على أرواحنا وحياة الناس؟
كما أن ضرر البيئة السياسية والسيادية يجب أن يكون موضع بحث وتقص عن الأثمان والأكلاف. إذ ماذا يعني أن ينفضح لبنان على هذا العجز الوطني والحكومي الكامل، حيال أزمة قد تكون غير مسبوقة في عصر الدولة الحديثة؟ فلنتصور معاً مثلاً، ما هي كلفة تصحيح صورة لبنان المزوِّر؟ لبنان الذي توصل إلى استصدار وثيقة منسوبة إلى رئيس دولة أفريقية، فيما تلك الدولة وذاك الرئيس لا يدريان بنا ولا يهتمان لنفاياتنا؟! حتى في تلك العاصمة الأفريقية، سارعوا إلى معالجة الضرر. فأقيل شريك تزويرنا، فيما استمر مزورو بيروت يسرحون ويزورون. وماذا عن كلفة ترميم صورة بلاد الأرز ما غيرها، لدى عاصمة دولة كبرى، دبّجنا باسم وزير بيئتها ورقة أخرى مزورة أيضاً، نقلناها إلى ملفاتنا الحكومية وكادت تصير وثيقة أصلية مصدقة بعمولات الملايين؟ علماً أن مسخرة تزويرنا لأوراق حكومة موسكو لم تقف عند هذا الحد. بل ذهبنا في التزوير الفضيحة إلى تسمية منتجع بحري روسي كمكب لنفاياتنا، وإلى تحديد مطمر آخر قريب من الغولاغ، على أن ننقل إليه ــــ بواسطة "لطف الله 2" ربما، أو باخرة خرطوش الصيد الأخيرة ــــ أطنان فخر صناعة عجزنا وفشلنا. ولم تنته فضيحتنا الروسية عند هذا الحد. بل زججنا بأسماء نصف مسؤولي الكرملين تقريباً. جعلنا من سفير شاهداً، فيما هو لم يتصل ولم يستمهل. وركبنا فوقه وزيراً في مؤتمر دولي. وحتى بلغنا حد التوهم والإيهام بأن رئيس وزراء روسيا الاتحادية قد يتصل بنا... قبل أن تفتضح التهريبة وينجلي التزوير، وينتصر المزورون على كل آليات رقابتنا وقضائنا. كم هي كلفة بهدلة حكومتنا وإدارتنا ورقابتنا وبعض قضائنا ــــ لا محلياً، حيث التمديد يغطي كل عمولة وعمالة ــــ بل دولياً، حيث صرنا مسخرة الإعلام والمنظمات غير الحكومية والحكومات وكل من يحترم نفسه في هذا العالم؟!
تبقى أخيراً كلفة الفضيحة ــــ الصفقة مالياً واقتصادياً. ولنحسبها جيداً، ولنطالب خبراء المال والموازنات باحتسابها لنا يوماً بعد يوم. فهناك أولا نحو 2300 مليون دولار، طمرت في جيوب سوكلين وديوكها على مدى عشرين عاماً. كم هي نسبة الهدر فيها؟ الله أعلم. لكن الأكيد أن ثلثها طار هدراً على معالجة لم تحصل. أي نحو 700 مليون دولار. أضيفوا إليها مبالغ مطابقة وهدراً مماثلاً، للشركة نفسها المحالة أمام قضاء دولتنا، والمعتمدة من قبل حكومة الدولة نفسها للأعوام المقبلة. ثم هناك 40 مليون دولار، من الرشى التي ستدفع سنوياً، للبلديات اسمياً. فيما هي رشى سياسية لعرابي تلك البلديات في السياسة فعلياً. أضيفوا إليها حفنة الدولارات التي ستذهب إلى الناعمة، لتحترق مع غاز المطمر هناك والأراضي العقارية المحيطة به. أضيفوا إليها خصوصاً خصوصاً، أثماناً هائلة لعقارات من الملك العام، ستنتقل بصورة أو بأخرى إلى الاستثمار والاستغلال والانتفاع الخاص. إذ ما معنى أن تسيطر البلديات المعنية على المساحات المكونة من الحل الفضيحة؟ كم سيردمون؟ ألف متر مربع؟ مئة ألف؟ أكثر؟ وفي أي مناطق؟ في واجهات بحرية يبلغ سعر المتر المربع الواحد من أرضها آلاف الدولارات. أضربوا أخماساً بأسداس، تحصلوا على نتيجة الصفقة: مليارات إضافية من الدولارات، تذهب إلى النافذين، على طريقة سوليدير ومكب النورماندي، لمن لا يزال يذكر أن في وسط بيروت غير بيت الوسط ...
شهيرة قصة اليهودي الذي ضاق به منزله على عائلته البائسة. فذهب إلى حاخامه راجياً منه مساعدة لتأمين بيت آخر. فنصحه الأخير بأن يدخل ماشيته لتبيت مع عائلته في جحره الضيق. بعد فترة عاد اليهودي يائساً. فنصحه الحاخام بأن يخرج الماشية من البيت. فارتاح الرجل وظل يلهج بشكر الحاخام. على قاعدة أنه بالشكر تدوم الذمم المشتراة، وكنوز النفايات، وسلطات المزابل!