ولأن الاتفاق عبارة عن صفقة منجزة مسبقاً، لم يتأخر اللقاء في التوصّل إلى اتفاق وإعلانه. فهذه الصفقة لا تختلف عن غيرها من الصفقات التي غالباً يكون فيها العمال ضحايا التواطؤ بين قيادة الاتحاد العمالي وأصحاب العمل، وشبه حياد وزارة العمل تجاه التعامل مع غلاء المعيشة. لكن كيف توصّل المجتمعون إلى الاتفاق الثاني؟ يجيب بيرم: «اعتمدنا معطى علمياً بسيطاً وهو كلفة الكيلومتر للنقل، مع الأخذ في الاعتبار أنه بإمكان العمال التنقل بالفان أو السرفيسات بدلاً من استخدام سياراتهم الخاصة. الهدف أن نضمن قدرة وصول العامل إلى عمله». أما رئيس الاتحاد العمالي العام فيقول: «مطلبنا الأساسي أن يكون بدل النقل 150 ألف ليرة عن كل يوم حضور».
حسابات الأسمر وبيرم، مبنية على احتساب بسيط لارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار. لكن تكمن في هذا الاحتساب مشكلة أساسية، إذ إنه يعتبر نقطة الانطلاق المرجعية للاحتساب في آذار الماضي حين كان سعر الدولار 22 ألف ليرة، وارتفع منذ ذلك الوقت لغاية اليوم بنسبة 35%، بالتالي فإن زيادة بقيمة 600 ألف ليرة تساوي تقريباً 35% من الحدّ الأدنى للأجور الذي بلغ بعد الزيادة الأولى 2 مليون ليرة. كذلك هي الحسابات المتّصلة بزيادة بدل النقل والتي احتسبت على أساس سعر الصفيحة في هذه الفترة. وبدا كأن هذه الحسابات طوت صفحة كل ما سبق هذا التاريخ، بينما الفترة المطوية فيها التضخّم الأكبر والتسارع الأكبر في سعر الصرف وفي انعكاسه على كل الأسعار من سعر البنزين وسعر الكهرباء المنتجة بواسطة مولدات الأحياء وأسعار المواد الغذائية وغيرها.
الترجمة الحوارية للصفقة تحت قبة المجلس، كانت أقلّ شبهة تجاه إعلان الصفقة. حاول الطرفان أن يشيرا إلى وجود حوار فعلي، لكن كل ما قيل يدلّ على بضعة مواقف ومحفّزات يخلقها البعض لأنفسهم وللآخرين. وزير العمل مصطفى بيرم، شدّد على أن «أي زيادة في هذه الأيام ستخلق صدمة إيجابية في الشارع. العامل إذا بتزدلو ألف ليرة بيشكرك». أحد الحاضرين قال للأسمر بصوت واضح وبعبارة استنكارية: «شو عم نتجادل على 100 ألف ليرة؟». حاضر آخر، قرّر إعادة القياس إلى آليات السوق: «شو عم نشتري فجل؟».
ستجري زيادة بدل النقل بقيمة 30 ألف ليرة عن كل يوم حضور فعلي إلى العمل
في النهاية ساد منطق شراء الذمم: «خلينا نعطي الناس دوزات وكل فترة منزيد الدوز. إذا زدناها فرد مرة رح نبطل نزيد لكذا شهر. شو منعمل إذا صار الدولار بـ 40 ألف؟». هذه العبارات موثقة ومسجّلة، لكن ما قيل خارج هذه القاعة هو مجرّد تصريحات وترجمة عملية وإعلامية لما اتفق عليه سابقاً ونوقش لمرّة أخيرة تحت قبّة المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وإعلان الاتفاق رسمياً حدّد يوم غد الجمعة بعد اجتماع لجنة المؤشر التي يعود إليها قانوناً مهمة رفع المقرّرات إلى مجلس الوزراء.
وهذا الاتفاق يلغي أصل وجود لجنة المؤشر، بل يحوّلها إلى ساعي بريد لقرارات متخذّة بالتواطؤ بين ممثلي أصحاب العمل والعمال. وللمرّة الثانية، لن يتم أخذ رأي الأعضاء التقنيين في لجنة المؤشر. صحيح أنه جرى تدوين تضخّم الأسعار بنسبة 800% في محضر الاجتماع الأخير، إلا أن الاتفاق كان على ترقيع الأجور.
أما دخول الاتفاق حيز التنفيذ فيتطلب إقراره في مجلس الوزراء. ويبدو بحسب بيرم أن دخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال لن يشكل عائقاً وذلك «لوجود تعميم صادر عن رئاسة مجلس الوزراء يشير إلى أنه وفي بعض الحالات الطارئة والملحة يمكن للوزير المختص أن يعلم رئيسي الجمهورية والحكومة للحصول على موافقة استثنائية. أيضاً، سبق وأعلن رئيس الحكومة أنه وعند الضرورة لن يتوانى عن دعوة حكومة تصريف الأعمال للقيام بواجباتها خصوصاً في هذا الظرف الصعب». بهذا المعنى سيصدر مرسوم جوال لغلاء المعيشة.