لقد ألقت كل الأطراف المعنية بتوجهات الحكم البريطاني، بأوراقها ضد كوربن و«الكوربينيّة»
في المقابل، قضى كوربن يوماً ماراثونياً، أمس، بدأه في غلاسكو ــ أسكتلندا، عابراً ستة مهرجانات انتخابية أخرى من شمال البلاد إلى جنوبها، باتجاه مهرجان رئيسي في شرق العاصمة لندن مساءً. وقد بدا في معنويات عالية متسلّحاً ببرنامج انتخابي متماسك ــ اعتبره كثيرون الأكثر يسارية في تاريخ «العمّال» ــ وتأييد جارف من الطبقة العاملة، والبريطانيّين من ذوي البشرة الملونة، والأقليات، والشباب الصغار السن، كما بقايا اليسار الإنكليزي على تشرذمه.
كلّ هذه الأجواء الإيجابية على الجانب الأحمر (لون حزب «العمّال»)، لا تخفى حقيقة أن الكوربينيّة، تواجه في تصويت اليوم اختباراً نهائياً حاسماً. فالبلاد مهدّدة حال فوز «المحافظين» مجدداً، بتبعات اقتصادية وسياسية واستراتيجية كبرى، ستكون في مجموعها أقرب إلى كارثة للأكثرية من البريطانيين لمصلحة نخبة يمينية تتجه بشكل متزايد إلى تكريس انعدام العدالة الاجتماعية داخلياً، والتشبيك مع الهيمنة الأميركية على حساب المحيط الأوروبي، واستمرار نهج محورة الاقتصاد حول الخصخصة، وتصدير الأسلحة للأنظمة الفاشية وتحويل لندن إلى عاصمة عالمية لتبييض الأموال المنهوبة والتهرّب الضريبي للشركات المعولمة (شركة «أمازون» الأميركية العملاقة لم تدفع ضرائب على مبيعات في السوق البريطانية تقدّر بالمليارات). كوربن، الذي يمثّل أهم نقيض لتلك السياسة الممتدة منذ عهد الراحلة مارغريت تاتشر ــ عرّابة النيوليبرالية ــ إلى وقتنا الراهن، بما في ذلك عقديّة حكومة توني بلير «العماليّة» التي كانت يمينية أكثر من اليمين ذاته، فيمثّل في الوقت ذاته أمل التغيير الوحيد الممكن في المدى المنظور، بينما يخوض على الصعيد الشخصي ما وُصف بأنها «الجولة الأخيرة». فقد بلغ هذا العام السبعين من عمره (مواليد 1949)، وفي حال لم يتمكن من الظفر بمنصب رئيس الوزراء، فهذا سيكون بمثابة نهاية لعمره السياسي، إذ أن «المحافظين» سيمسكون بمفاتيح «10 داونينغ ستريت» ــ مقرّ الحكومة ــ لخمس سنوات مقبلة على الأقل، لن يكونوا مضطرّين خلالها إلى إجراء انتخابات مبكرة، إن هم حصلوا هذه المرّة على الغالبية. غياب كوربن عن الساحة السياسية سيكون، عندئذ، بمثابة ضربة قاصمة للمعارضة، بالنظر إلى عدم وجود أية شخصية سياسية معارضة تمتلك رصيده الأخلاقي والفكري، أو حتى الكاريزما الكافية لملء مكانته.
لقد ألقت كل الأطراف المعنية بتوجهات الحكم البريطاني، بأوراقها ضد كوربن و(الكوربينيّة): من تسريبات المقرّبين من القصر الملكي، مروراً بمصالح رأس المال الكبرى، ومراكز القوى في الدولة العميقة من استخبارات وقوات مسلحة، ودوائر الإعلام الجماهيري (تلفزيونات وصحف كبرى)، ناهيك عن اللوبي الصهيوني الواسع التأثير، إضافة إلى مثلث سفارات واشنطن ــ تل أبيب ــ الرياض، انتهاء إلى تيار اليمين داخل حزب «العمّال» نفسه. وهؤلاء جميعهم، بتحالفهم يمتلكون قدرة فعلية على التحكم في الرأي العام البريطاني المدجّن عبر عقود برمجة شوفينيّة عنصرية مستمدة من أوهام التفوق الإمبراطوري المستعادة، برغم كل السياسات المعادية منهجياً لمصالح الأكثرية المغيّبة عن صنع القرار.