عون لن يبقى متفرجاً، إذا ما كانت هناك نية محلية أو إقليمية للتخريب
لكن عون في استعداده لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، يدرك تماماً أن هناك محاولات عدة بدأت ترتسم معالمها، تعمل على فرض أمر واقع سياسي جديد، الأمر الذي يطرح على المحك مصير التسوية الرئاسية برمتها. وهذا المصير لا يتعلق برئاسة الحكومة، وقد بات الحريري أحد ثوابت العهد، حتى الآن. لكنه يتعلق بمصير التسوية ككل، وبكافة عناصرها وارتدادها على الاستقرار الداخلي السياسي والأمني والمالي، وعلى صورة العهد. فوصول عون إلى رئاسة الجمهورية، كان وليد أربعة عناصر أساسية، عون وحزب الله والحريري، وتفاهم معراب، وإن خفف البعض من أهميته، إلا أنه كان أحد المنطلقات الرئيسية في تسهيل انتخاب عون. حينها بقي الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط والنائب سليمان فرنجية، متفرجين، على تسوية لم يوقعوا عليها.
اليوم يتعامل العهد والتيار الوطني الحر مع تفاهم معراب على أن مفعوله انتهى، سواء بانتخاب عون أو بصدور قانون الانتخاب وسحب التشنج الداخلي. علماً أن القوات تتحدث دائماً عن بنود لم تنفذ من هذا التفاهم. وقد بدا واضحاً منذ الافتراق بين الطرفين في الانتخابات النيابية، أن كليهما سائر في اتجاه معروف سلفاً بعد 7 أيار، استعداداً لتشكيل الحكومة وما بعدها، وإن هذا التفاهم، الذي طبق من جهة واحدة، لم يعد نافذاً، ولو أن الطرفين لا يمتلكان شجاعة التنصل من تفاهمهما المعلق.
أما العلاقة مع حزب الله، فرغم أنها تصاب أحيانا بنكسات، ولا سيما نتيجة التشنج القائم بين التيار الوطني الحر وبري، وبسبب ملفات أخرى، اقتصادية وسياسية، وملاحظات يبديها حزب الله على أداء التيار الوطني وبعض أدبياته وطريقة تعاطيه بالترشيحات الانتخابية، إلا أن سقفها الاستراتيجي، سواء ما يتعلق بسلاح الحزب أو العداء لإسرائيل، أو حتى بوضع حزب الله الإقليمي، لا يزال ثابتاً، ولا يمكن النسج على انقلاب سياسي بين الطرفين.
تبعاً لذلك، لا يبقى من أركان التسوية سوى الحريري. وعلى هذه النقطة، يدور الكلام عن مصير التسوية الرئاسية وموقف عون منها. فرئيس الجمهورية سبق أن سلّف الحريري أكثر من مرة، وأهمها في معركة «استرداده» من السعودية، والأخير حاول ردّ الجميل في أكثر من استحقاق، من خلال ملفات وزارية مالية واقتصادية متشعبة. لكن ما يصحّ اليوم، قد لا يصح بعد الانتخابات، وقد بدأت بوادر التدخلات العربية والغربية في توجيه رسائل مبطنة ومكشوفة، لوضع خريطة طريق الحكومة المقبلة وفق تفاهمات تعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
ما حصل في نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، من انقلابات سياسية، لن ينطبق على حالة عهد عون، الذي يفترض كما وعد أكثر من مرة، أن يشهد انطلاقة جديدة بعد الانتخابات. فعلى طريق تشكيل الحكومة المقبلة، هناك مطبات كثيرة، والتبليغ السعودي للحريري بحسب مطلعين، بأن يكون واضح الانتماء بعد 7 أيار، سيضع أمامه تحدياً كبيراً في أي استدارة مطلوبة منه. وهو هنا سيكون أمام ميزان دقيق، بين مصالحه مع العهد وقد أصبحت متينة أكثر من خلال شراكة شبه كاملة مع التيار الوطني، أو مصالحه محلياً، وليس سعودياً، مع أفرقاء 14 آذار الذين هم فعلياً إما على هامش السلطة أو خارجها. لكن التحدي الأكبر يقع على عاتق العهد أيضاً، وحتى الآن لا يمكن التعويل على أن العهد الذي احتضن الحريري منذ التسوية الرئاسية، سيبقى على احتضانه له، إذا قرر الحريري التجاوب مع أي رغبات سعودية حتى في الشكل. فحكومة العهد الأولى محك حقيقي لرئيس الجمهورية، ولن يبقى متفرجاً، إذا ما كانت هناك نية محلية أو إقليمية، للتخريب عليها، لأن عليها تتوقف صورة الولاية الحقيقية لرئيس الجمهورية.