هذا التقرير شكّل ورقة بيد المطاحن لنقض القرار القضائي، إذ تقدّمت به كمستندٍ رسمي، أمام القاضي المعلوف، يفيد بأنّ الوضع ليس سيئاً، وأن العمل في العنابر «مطابق للمواصفات»، مناقضاً تقرير الخبيرة السخن، الذي أحصى 54 مخالفة، والذي بموجبه أخذ القاضي المعلوف قراره بختم المطاحن بالشمع الأحمر.
شهيب: "أنا متأكد من براءة الموظفين لأنني أعرف سلوكياتهم"
يومذاك، ضمّ المعلوف تقرير وزارة الزراعة إلى ملف الدعوى، التي كانت قد تقدمت بها جمعيات فرح العطاء وحماية المستهلك في لبنان والمفكرة القانونية، واستدعى الخبيرة السخن وأحد محامي المطاحن، الذي تقدّم بتقرير وزارة الزراعة إلى القاضي. سأل القاضي السخن حول مدى صحّة ما ورد في تقرير الزراعة، فلفتت إلى أنّه غير صحيح «حيث إننا استعنّا بفريق متخصّص rappel وescalade كي نستطيع النزول في العنابر وتصوير ما يجري». أعاد القاضي طرح السؤال نفسه على المحامي وما إذا كان موجوداً أثناء عملية الكشف، فأجاب بأنّهم «حضروا للكشف، لكنهم لم ينزلوا إلى العنابر». على خلفية هذا «الاستجواب»، كلّف المعلوف مراقباً قضائياً لإجراء مقارنة بين التقريرين، لتأتي النتيجة بجوابٍ واحد: "تقرير وزارة الزراعة مزوّر". هذا الأمر دفع بالقاضي الى تحويل شكوى إلى النائب العام الاستئنافي في بيروت، القاضي زياد أبو حيدر، للتحقيق في الأمر. طلب القاضي أبو حيدر من وزارة الزراعة إعطاء الإذن بالتحقيق مع الموظفين الأربعة. انتظر القاضي طويلاً، قبل أن يأتيه الردّ من وزير الزراعة بالموافقة على إعطاء الإذن، ولكن مع قدر فائض من التبريرات والأعذار. يفيد أحد المتقدمين بالشكوى بأنّه «جرت محاولات داخل الوزارة من أجل منع إعطاء الإذن أو تأخيره، وقد علمنا بأنّ الموظفين نظموا تقريراً توضيحياً لتخفيف وطأة ما قاموا به»، غير أنّ «الوزير أكرم شهيب عاد وأعطى الإذن». وفي هذا الإطار، يشير شهيّب، إلى أنّه «إذا كان هؤلاء الموظفون مخطئين، فعليهم أن يتحملوا مسؤولية خطئهم، ولكن يفترض التمييز بين الخطأ المتعمد هنا أو خطأ غض النظر أو الخطأ المتأتي عن عدم معرفة ومن دون قصد، وأنا هنا وإن كنت مع مطلب القضاء بأن يأخذ مجراه، إلا أنّني متأكد من براءة الموظفين لأنني أعرف سلوكياتهم».
إذاً، أعطى شهيب إذنه مع إصراره على الحكم ببراءتهم، بإبداء رأيه الشخصي.
في الثامن من الشهر الجاري، أحال أبو حيدر الملف، مكتملاً، إلى مفرزة استقصاء بيروت لإجراء التحقيقات المطلوبة، «بأخذ إفادات الجهة المستدعية، ومن إفادات المدعى عليهم، على أن يصار بعد ذلك إلى اتخاذ القرار المناسب، والذي قد يقضي بتوقيف المدعى عليهم». ولكن إلى الآن لم يحصل (…) أي توقيف! علماً بأن المراقب القضائي الذي كلّفه القاضي المعلوف بالمقارنة بين تقرير الخبيرة السخن وتقرير وزارة الزراعة، أظهر أن ثمة 19 نقطة «غير متطابقة»، وهي من النقاط الأساسية، التي جرى بموجبها اتخاذ قرار الختم بالشمع الأحمر. ففي الوقت الذي يفيد فيه تقرير الزراعة بأنّ «العمال لدى المطحنة استحصلوا على بطاقاتٍ صحية من وزارة الصحة»، نفى المراقب القضائي هذا الأمر، مرفقاً بنفيه صورة عن البطاقات الصحية للعمال «المنتهية صلاحيتها في 20 آذار من العام الماضي». وفي الحديث عن الكشف على صلاحية المنتجات الموجودة، يشير تقرير الزراعة إلى أن «صلاحية المنتج غير المعالج لا تتعدى ثلاثة أشهر»، فيما يشير تقرير المراقب القضائي إلى أنه «لا يوجد منتج ولم يتم التحقيق». أما في فحص نسبة الكلور في المياه قبل استعمالها في القمح، فقد لفت تقرير الوزارة إلى أنّه «جرى التأكد منه وهو وفق النسبة»، يشير تقرير المراقب إلى أنّه «تم التأكد من وجود الكلور والتحقق من الفحص». الاختلاف بين التقريرين ظهر حتى في «البديهيات»، فمثلاً يؤكد تقرير الزراعة أنه «تم التخلص من الخشب في كل أرجاء المعمل»، فيما تقرير المراقب يشير إلى أن الخشب ما زال منتشراً في كل مكان، ومرفقاً بصور. أما الأنكى من كل ذلك، فهو تأكيد تقرير الزراعة على أنه جرى الكشف على العنابر وأنها بحالة جيدة، ليأتي تقرير المراقب وينسف هذا الأمر، نافياً «الكشف على أي عنبر».
ثمة أشياء كثيرة، حمل «وزرها» تقرير الزراعة. هذا، الذي يفترض أنه صادر عن مؤسسة رسمية، عن الدولة التي من واجبها حماية المواطن لا أصحاب المصالح. هذا التقرير يدفعنا إلى سؤالٍ واحد عن النيات التي دفعت موظفين حكوميين إلى التغطية على حفلة فساد. لا يسع الملدوغين هنا سوى السؤال: «كم تقاضوا لقاء كل ذلك؟». الجواب سيأتي... بعد انتهاء العطلة القضائية.