القاهرة | تتصاعد حملة الانتقادات التي تطال رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، بعد مضيّ أسبوع على إعلان تدشين «اتحاد القبائل العربية» برئاسته وبرئاسة شرفية من رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، وهو «الاتحاد» الذي يهدف، وفقاً للمتحدث الرسمي باسمه وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، إلى «دعم عملية البناء والتنمية». ولم تقتصر الحملة تلك على الأحزاب والتيارات المعارضة التي وصفت الاتحاد بـ«الكيان العرقي»، وحذّرت من خطورة «توسّع نفوذه وتسليحه»، بل امتدت لتشمل مسؤولين مهمّين في الدولة المصرية، وجدوا فيه «استنساخاً لتجربة ميليشيات الدعم السريع» في السودان. وفيما اقترنت هذه الانتقادات بانتشار مقاطع فيديو أظهرت أنصار العرجاني وهم يحملون السلاح ويحيطونه بموكب سيارات فارهة، تردّد أن بعضها محصنٌ ضد الرصاص، باركت أحزاب أخرى موالية للنظام تدشين «الاتحاد» بوصفه «جمعية تدعم ثوابت الدولة المصرية وأمنها القومي في سيناء». أما أبناء القبائل، ورغم شعور بعضهم بالغضب إزاء الأمر، بمن فيهم أعضاء سابقون في «مجلس الشعب» ومشايخ، فقد التزموا الصمت، نظراً إلى أن العرجاني كان نجح في فرض سيطرته عليهم، إضافة إلى الدعم العسكري الذي يحظى به وقرار إضفاء شرعية على رئاسته للاتحاد. على أن الانتقادات تضاعفت بعد إصدار «الاتحاد» بياناً، الإثنين الماضي، حول التهديدات الإسرائيلية باقتحام مدينة رفح، أثار ردود فعل واسعة من قبل بعض المواطنين المصريين. فبعدما حذّر البيان «من تداعيات وخطورة إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على اجتياح هذه المنطقة المكدسة بالسكان»، مطالباً بـ«تدخل مجلس الأمن الدولي والجهات المعنية لوضع حد لهذا العدوان، الذي ستكون له نتائج كارثية على حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين وعلى المنطقة بأسرها»، رأى ناشطون أن إصدار مثل هذه البيانات حول قضايا خارجية هو من مسؤولية الدولة المصرية. واللافت، هنا، أنه أثناء المؤتمر الصحافي الذي أُعلن فيه تدشين «الاتحاد»، أُعلن عن تغيير اسم منطقة العجرة التي تقع بالقرب من الحدود الفلسطينية، حيث أقيم المؤتمر، إلى مدينة «السيسي»، وهي مدينة ينظر إليها على أنها ستكون بوابة اقتصادية لقطاع غزة خاصة في مرحلة إعادة الإعمار وفي استضافة الغزيين النازحين، كأحد نقاط الترانزيت قبل الوصول إلى المعبر، وبإشراف من العرجاني الذي بات يعدّ «رجل الدولة» في سيناء. وفي أعقاب عاصفة الجدل تلك، قال نائب رئيس «الاتحاد»، النائب أحمد رسلان، بدوره، أمس، إنّ «الاتحاد تشكّل ككيان وطني هدفه الأول والأخير، دعم الدولة المصرية ومؤسساتها وقواتنا المسلحة»، موضحاً أن «الاتحاد سيهتم بكل المناطق وجميع القبائل في الشرق والغرب والجنوب، وسيعمل في مجال التنمية حتى تطال عجلتها كل الأماكن في الصعيد ومطروح والمنطقة الغربية وليس سيناء فقط، فالاتحاد لن يقتصر دوره ولن تقف مظلته عند سيناء، بل هو اتحاد لكل القبائل العربية في كل ربوع مصر».
الصعود السياسي للعرجاني لم يكن مفاجئاً، بل جاء بشكل تدريجي في الأشهر الماضية


غير أن الصعود السياسي للعرجاني، ابن قبيلة الترابين، لم يكن مفاجئاً، بل جاء بشكل تدريجي في الأشهر الماضية، وسط توطد علاقته مع رجال الجيش بصورة غير مسبوقة على خلفية دعمه لعدد كبير من مطالب العسكريين والمخابرات الحربية، فضلاً عن حصوله في السابق على تصريح بنقل البضائع إلى قطاع غزة، وانخراطه، في الأشهر الأخيرة، في تنسيق إخراج الفلسطينيين عبر معبر رفح، عبر تقاضي كلفة مالية وصلت إلى 10 آلاف دولار للشخص الواحد، يُسدد أكثر من نصفها بشكل غير رسمي لجهات الدولة، وذلك عبر شركة «هلا للاستشارات والخدمات السياحية»، التابعة للاستخبارات المصرية، التي يديرها العرجاني بنفسه. ويُضاف إلى ذلك، الدور الكبير الذي لعبه الأخير، في وقت سابق، في استقطاب عدد من القبائل تحت اسم «اتحاد قبائل سيناء»، للتعاون مع الجيش المصري، ما مكّن الأخير، حينها، من محاربة «تنظيم داعش» في سيناء، المعروف باسم «ولاية سيناء»، والقضاء على الجماعات المتطرفة التابعة له والتي كانت تختبئ في جبال لم يكن من الممكن الوصول إليها من دون مساعدة أبناء القبائل.
وفيما الإطار القانوني آخر ما يشغل بال العرجاني و«رفاقه»، دفع الضغط الرافض له ولممارساته، بكري، إلى الإعلان عن اعتزامهم تسجيل «الاتحاد» كجمعية في وزارة التضامن الاجتماعي، علماً أن «قانون الجمعيات» يحظّر العمل بالسياسة، وهو ما عدّه مراقبون تسجيلاً غير قانوني. ومع ذلك، يبدو أن العرجاني حصل على اعتراف واضح من الدولة المصرية بنفوذه وصلاحياته، وهو ما تزامن مع حملة ترويج إعلامي وغسيل لسمعة الرجل من كل قضايا القتل التي تورّط فيها، بعد أن وقف ضد الشرطة مسانداً للاستخبارات الحربية والقوات المسلحة إبان خلافهما في السنوات الأخيرة من عهد حسني مبارك، وهي السنوات التي شهدت سجن العرجاني وتعرّضه للتعذيب والتنكيل في السجون المصرية. وفي هذا السياق، يقول مصدر عسكري، في حديث إلى «الأخبار»، إن «العرجاني الذي قدّم دوراً مهماً لسنوات، يستحق الآن أن يحصد ثمار ما قدمه، وفقاً لقناعة المسؤولين العسكريين»، مشيراً إلى أن «الانتقادات التي خرجت لم ولن تؤثر على أي من المسارات التي سيدخلها رجل الأعمال السيناوي بدعم من الجيش كواجهة مدنية في المدة المقبلة».
على أي حال، يسعى العرجاني إلى توسيع «إمبراطوريته» بصورة غير مسبوقة تلقى دعماً من قِبل قادة عسكريين يرون فيه أحد الأدوات التي يمكن توظيفها لمصلحة الجيش، مع التخلّص منه في الوقت المناسب، على جري العادة. إذ يبدو نموذج العرجاني مشابهاً لنموذج رجل الأعمال حسين سالم، إمبراطور جنوب سيناء في عهد مبارك، والذي قام حينها بأدوار مماثلة. لكن الفارق بين سالم والعرجاني يتمثل، وفقاً لمراقبين، في حب الأخير الظهور ورغبته في تحسين صورته واسمه. إذ حرص الرجل على الظهور الإعلامي وكثرة الأحاديث حول ما يقوم به من أنشطة، وهو الأمر الذي جعل الأضواء تتسلط عليه بشكل أكبر، وسط غموض حول مصادر ثروته التي يُعتقد على نطاق واسع بأنها تكوّنت نتيجة عمليات إتجار غير مشروع، الأمر الذي دفع حتى بعض الأصوات المؤيدة للدولة المصرية إلى المطالبة بوقف نشاطاته.