إنّ موقفي العلني من الثورة لا ينفصل عن السينما التي حاولت. وأنا مدين للشعب السوري حقاً وفقط. لقد صنعت أفلامي بأمواله، بالضرائب التي اقتطعت من مواطنين استشهدوا بالآلاف. لقد طردتُ السلطة السينمائية والسياسية من مخيّلتي منذ أبد، ولم أقم حساباً إلا لإنسانيتي ولضميري المهني. ولم أخش إلا السينما التي تلفظك إذ تخونها. لم تكن السينما وظيفةً يوماً.
كانت حُباً وخوفاً بلا حدود. كانت البحث بلا حدود عن اللقطة والتكوين والضوء والحكاية والشخصيات والمناخ والبنية التي تحاول تلمس خلايا اللحظة الانسانية السورية، فتكون سينما وتمنح صاحبها الحق بأن يكون مواطناً في بلد الأبجدية وتعدد الحضارات. لم يكن يعنيني شيء ولا أحد إلا ضميري السينمائي الذي يحقق ويصحح الضمير الإنساني.
فالضمير السينمائي يعلم الحرية والانتماء للإنسان، والسخرية من السلطة ورثائها وهجائها، ومعرفتها ومواجهتها، مواجهة هدرها للزمن والوطن والجمال.
قبيل «نجوم النهار» (1988) لم أكن أطلب من الحياة إلا أن أنجزه وفقط. وفي «صندوق الدنيا» (2002)، لم أكن أفكر في أكثر من تحقيقه. الفيلمان هويتي، ومبرر حياتي، وهما بحث في العنف والبنيّة النفسية للعنف والسلطة والتعصب وعبادة الفرد.
بعد «نجوم النهار»، انتظرت قرار الفصل العنصري، فجاء البارحة.
الغياب عن الدوام مبرر مسخرة يشبه اتهام أهل درعا بالعصابات المسلحة. فهنا وهناك، سلطة يأمرها «الأمن» بخرق القانون ويعفيها مؤقتاً من أن يمسها القانون، مثلما خرقت قوات الأمن كذبة السماح بالتظاهر السلمي.
وهو سليل (قوانين) همجيّة أبدعها النظام سابقاً مثل «قانون الأمن الاقتصادي». اقرأها فتجد أنّها إرهابٌ وقح، وأن كل مواطن متهم ومُدان مع وقف التنفيذ، وأنه عليك أن تختار بينك مخبراً أو بينك مُجرماً.
هذا هو منطق النظام اليوم أيضاً. أما عن السلطات التنفيذية التي ذكرت سواءٌ أكانت رئاسة مجلس الوزراء أم إدارة المؤسسة، فكلتاهما ليست السلطة. وأستعير من أميرالاي تعريفه الديناميكي الدرامي: هؤلاء «عبيد السلطة». عبيدٌ يشعرون بأنهم مقصرون في عبوديتهم فيتطوعون لـ «الدوام في الجريمة» وكشف «جريمة التغيب عن الدوام»، ولا يجرؤون على الحداد على رمز سوري حديث هو «شهيد الطائفة السينمائية باسل شحادة (الصورة)». من المؤكد أنهم أقاموا «حفلة سمر من أجل الهزء من لقطاته». منذ سنوات خمس، لم تطأ قَدَماي عتبة المؤسسة العامة للسينما ولا مهرجانها «الدولي» احتجاجاً على تلوثها الأمني وفسادها الفني. خسرتُ راضياً لأربح بعض نفسي. فما بالك اليوم، أو البارحة مثلاً، إذ يؤلف «الإصلاح» القاتل قانوناً يخول عبيدَه طردَكَ لأنك تستنكر قصف حمص، أو تسمّي المجزرة مجزرة.
* سينمائي سوري
2 تعليق
التعليقات
-
عندما يصبح أسامة محمد "شغل ساعته"عندما يصبح أسامة محمد "شغل ساعته" و"لم يكن أحد يعرف به"، وأن "أزمته مع الدولة أعطته حجماً أكبر من حجمه الحقيقي" حسب ما يقول الأخ محمد في تعليقه ويصبح دعمه لـ "ثورتنا" لأهداف مادية أو عنصرية أو طائفية (ولا يجرؤ أسامة على النطق بها) لا عجب أن تصبح سوريا الأسد.. دولة ممانعة بئسها دولةً.. وبئسهم ممانعين
-
سؤال للـ"مناضل" أسامة محمدلماذا لم يتفلسف أحدكم ويقيم الدنيا ولا يقعدها عندما تم تدمير مبنى الإخبارية السورية وقتل حراسه الأربعة والفنيين الثلاثة فيه؟ لماذا لم تخرج وطنيتكم إلى العلن عندما تم استهداف مصوري ومذيعي القنوات السورية بالرصاص الحي في الحفة وحمص وغيرها ؟ لماذا حولتم باسل شحادة لبطل ورمز ونصف آلهة بينما صمتم على دمار سوريا من قبل "ثورتكم" التي تدعمونها لأهداف مادية أو عنصرية أو طائفية، ولكنكم لا تجرؤون على النطق بها؟ أوكلما هزّ لكم أحدهم كيس المال أو اللجوء في بلاد الغرب ذهبتم كالحشرات التي تسعى نحو النار وهي تحسبه نوراً ؟ على فكرة، أنا ضد قرار فصلكم من السينما السورية والطريقة أو السبب الذي من أجله تم ذلك، وواضح أن الأمر سياسي بحت. ولكن لو كنتم صمتم أو تحدثتم بعقل لتعاطف الجميع معكم. مع الأسف، كلما خرج أحد "المعارضين" - الذين تعاطفنا معهم في أزمتهم - من السجن أو من الدولة، وأدلى بدلوه وبشهادته، ندمنا على تعاطفنا معه، وتمنينا لو كانت الدولة أبقت هذا "المناضل" في حدود حجمه الحقيقي، عندما لم يكن أحد يعرف به، وتبيّن أنه "شغل ساعته"!