تنبع أهمية فيلم «جيران» الكوميدي الذي أخرجه الأميركي البريطاني نيكولاس ستولر من مقاربته الخاصة والجدلية لمفهوم النضج والحياة البالغة بكل تبعاتها من العمل والزواج إلى إنجاب الأطفال والاستقرار.
يروي الفيلم قصة الزوجين ماك (سيث روجن) وكيلي (روز بايرن) اللذين يخوضان ــــــ بعد ولادة طفلتهما ــــــ معركة خاسرة لاستعادة نمط حياتهما القديم المنعتق من القيود والمسؤوليات. عبر المواقف الكوميدية، يصوّر لنا المخرج محاولات ماك وكيلي الفاشلة لإعادة الشغف إلى علاقتهما مثل ممارسة الجنس الذي يقاطعه بكاء الطفلة كل مرة أو حتى وجودها الذي يلغي تلقائياً الإحساس بالحميمية بين الثنائي. تلك هي إحدى النقاط المهمة التي ترتكز إليها هذه الكوميديا: النظر إلى الأمومة والأبوة بوصفهما هوية جديدة على ماك وكيلي تبنيها، لكنّهما لن يذعنا لها بلا مقاومة. ما يصعِّب هذه المهمة أكثر على الثنائي هو انتقال شبان من أخوية الجامعة للسكن في المنزل المقابل، ما يثير غضب ماك وكيلي.
ينتقد الأدوار النمطية في العلاقة الزوجية ويمتاز بحسّ سخريته الصادم كل ليلة في منزلهما وحياتهما الرتيبة، يشاهد الزوجان من النافذة الحفلات الصاخبة التي يقيمها شبان الأخوية الذي يترأسها تيدي (زاك إيفرون). علاقة الكره والافتتان التي تنشأ بين الثنائي وشبان الأخوية تتحول إلى معركة محتدمة بين الطرفين تعبّر عن اضطراب كأنّما خاص بهذا العصر ،حيث رفض الانتقال من مرحلة حياتية إلى أخرى تبعاً للعمر كما تفرض المنظومة الاجتماعية. أكثر من ذلك، كأنّ هناك رغبة في التوقف بالزمن والبقاء في مرحلة المراهقة الأبدية... هذه هي النزعة التي غلبت على الكوميديا الأميركية في السنوات الأخيرة. هناك احتفاء بهذه الحالة وبتجسداتها التي تتلخّص ـــ وفق القاموس الأميركي ـــــ في الاحتفالات الليلية المتواصلة التي تشمل طبعاً الكثير من الكحول والجنس وتعيد نفسها في كل الأفلام. نرى أيضاً هذه النماذج في السينما الفرنسية التي تشبه هذه الأفلام خصوصاً «النزل الإسباني» لمخرجه سيدريك كلابيش، وفيلمه الأخير «المعضلة الصينية» الذي تناول في بعض أجزائه أزمة الانتقال من مرحلة حياتية إلى أخرى كما في «جيران». وربما تعبّر هذه النزعة عن حالة أكثر شمولية. إذا نظرنا إلى انتشار عمليات التجميل المتطرفة، سنجد أنّها تطمح إلى الهدف نفسه، أي إيقاف تقدّم الزمن عبر تجميد الوجه البشري. كأنّ في ذلك رغبة في عولمة العمر البشري وتحديد عمر موحد يتوقّف عنده البشر ولا يكبرون بعده. مرحلة عمرية واحدة يبقون فيها إلى الأبد. يمتاز الفيلم أيضاً بحس سخريته الصادم في بعض المواقف. رغم فجاجته، إلا أنّه يناقش تفاصيل واقعية قلما تناولتها أفلام أخرى عن العلاقة بين الزوجين. نرى ذلك مثلاً عندما تثمل كيلي التي ترضع طفلتها ويتحجّر الحليب في ثدييها في الصباح التالي، فتطلب من ماك أن يساعدها على استخراج الحليب. يقترح ماك المذعور أن تأتي أمه، إلا أنّ كيلي ترفض تماماً وتصر على أن يقوم هو بذلك. من ناحية أخرى، ينتقد الفيلم الأدوار النمطية للرجل والمرأة في العلاقة الزوجية كما نرى في المشهد الذي يخبر ماك زوجته أن عليها أن تكون الطرف المسؤول في العلاقة وتمنعه عن ارتكاب الهفوات. تعترض كيلي على إسقاط هذا الدور عليها فقط لأنها امرأة. صحيح أنّ هناك خفة معينة تحكم أسلوب الفيلم، خصوصاً في تناوله لبعض الحوادث كما في المقالب والعراكات الجسدية التي تحدث بين الزوجين ورئيس الأخوية تيدي، إلا أنّه ينجح في تصوير كيف أنّ الارتباط بين العمر ونمط الحياة مسألة لم تعد بهذه البديهية في الأوقات الحديثة. من ناحية أخرى، يعيد الفيلم تجسيد كل كلشيهات الكوميديا الأميركية لينتقدها ضمناً، إذ نرى تحولات علاقة ماك كيلي مع جيرانهما من شبان الأخوية كما علاقة المشاهد مع هذه النماذج النمطية التي تجسدها الكوميديا الأميركية وجنة المراهقة الأبدية التي تعرضها. على خلاف بقية الأفلام، يكرّس هذا العمل الصور النمطية ثم يحطمها في النهاية، فتيدي الأكثر شعبية الذي يجسّد صورة السيطرة والقوة المطلقة في البداية، يرسب فيما يتخرّج كل رفاقه، ولا ينجح في الحصول على العمل باستثناء الوقوف في الشارع عاري الصدر ليروّج لمحل تجاري. أما ماك وكيلي فيتصالحان مع هذه المرحلة الجديدة من حياتهما. «جيران»: صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «بلانيت» (01/292192)«المهمّة الأولى» في مقابلة أجراها معه موقع «دايلي سكرين» حول مشاريعه المقبلة، قال المخرج نيكولاس ستولر إنه يعمل الآن على سيناريو جديد للكاتب الكوميدي رودني روثمان. وأضاف أن قصة الفيلم تدور حول أوّل مهمّة يقوم بها شرطي أبيض بالتعاون مع شرطي أسود خلال أواخر أربعينيات القرن الماضي، على أن يؤدي بطولته كل من سيث روجن وكيفن هارت. وسيكون على الشرطيين التسلّل إلى حفلة جاز لتوقيف الموسيقيين بسبب تهمة معينة. وقد عبّر المخرج البريطاني الأميركي عن حماسته، معتبراً المشروع الجديد يعدّ تجربة مختلفة وتحدياً له، لأنه «لم يسبق لي أن أنجزت عملاً يجمع التاريخ والكوميديا والموسيقى والأكشن».