ينطلق مخرج «يوسف» من معاناة عاشها على المستوى السيكولوجي (ارتباك واقع الأحلام)، ليخطّ العنوان العريض للفيلم. كان يود إظهار علاقة تفاعلية بين الأنظمة المهترئة، وانعكاساتها على سيكولوجية الشباب. لكن الفيلم أتى صاخباً، محشواً بثنائية الحبكة والشخصية الأساسية. حبكة أمنية وبوليسية، وشخصية تعاني من اضطراب سيكولوجي. تسير المحاكاة بنفس الزخم، ما جعل الفيلم مكدّساً بالتطورات والانفعالات. فلماذا طُرحت حبكة معقدة بالتوازي مع شخصية أكثر تعقيداً؟ يجيب المخرج أن «يوسف» يجسّد مثالاً معاشاً ومعقداً، ينقل الواقع المرير بأحداثه وشخصياته. لكن، إذا عدنا إلى المنطق الدرامي، فإن الحبكة هي جوهر العمل التراجيدي، ثم تأتي الشخصية. فكان من الأفضل تقديم إحداهما على الأخرى، واختيار نوع المحاكاة.
توغل «يوسف» في قلب الأحياء الفقيرة، وعكس نمط حياة الشباب فيها، وأظهرهم في أسلوب واقعي. يؤكد المخرج بأن السيناريو جرى في المقاهي الشعبية والطرقات، فأتى شعبياً قريباً للغة المحكية، أظهر بؤس سكان الأحياء الفقيرة والضواحي، وتمزق أوصالهم، وخفة دمهم في أسلوب شيّق.
التعرف إلى شخصية يوسف (أداء حسين حيدر)، كان من خلال سرد الأحداث على لسان الطبيب النفسي الذي يفسّر دوافعه. إلا أنّ ذلك لا يتم من خلال التوصيف والرواية والسرد فحسب، وإنما من خلال الأحداث والانفعالات الذي يشعر بها يوسف. إلا أنّ أداء الشخصية جاء أقرب إلى الكليشيهات، والصور النمطية، للذين يعانون من اضطرابات نفسية رغم استعانة القيمين على العمل بالفنان السوري أكثم حمادة (المعالجة الدرامية للشخصيات الأساسية)، وبخبراء نفسيين ليكون الفيلم أكثر تماسكاً.
يُطرح الشريط في الصالات في نهاية العام الحالي
إلى جانب النجوم الشباب (محمد فوعاني، حسن فرحات، إياد نور الدين...) تشارك في العمل نخبة من نجوم الدراما اللبنانية في لبنان وسوريا، أبرزهم فايز قزق، ختام اللحام، وسام صباغ وغيرهم. وفق منطلقات ميثيولوجية قوامها الدين، اختير اسم الفيلم على اسم الشخصية الأساسية «يوسف إبراهيم». كنّا نتوقع أن يظهر يوسف في كادرات سينمائية أشبه بلوحات تشكيلية، ترسّخ صورة الممثل البطل في ايقونولوجيا تعكس هالته وثقله وتفاصيله، كما تُظهر صور القديسين أو الرسل في اللوحات التشكيلية. كنا نتوقع أن نرى كادرات تركز على وجه يوسف، بطريقة تخلده في أذهاننا. لكن لم يتم تصويره وفق ذلك. حتى إن الحالة النفسية التي يعيشها بين الواقع والحلم، تم تصويرها في كادر موحّد منفصل بين حقيقة يوسف وحلمه، على طريقة الـ Split Screen، ما أضعف الرؤية الإخراجية، وأعطى الفيلم نزعة خطابية، تلقينية، على صعيد الشكل الفني.
على مستوى الإخراج، خيّمت الألوان القاتمة التي تميل إلى الاصفرار طيلة الفيلم، رغم تعدّد مناظر ومواقع التصوير، وهذا أضفى طابعاً جمالياً. أقحم المخرج كل شيء في العمل: الشتاء، الصيف، البحر، الجبل، الأحياء، الموت، الحياة، الزواج، الاضطراب، في محاولة منه لعكس حقيقة الواقع. حتى إنَّ الموسيقى أتت خارج سياق الجو العام للفيلم، الذي ينقل معاناة المجتمعات في منطقة بلاد الشام، فلماذا رافقت الموسيقى التكنو والراب الفيلم؟ حتى إنّها أتت في كثير من الأحيان تزيينية، لتضفي جو الرعب، أو الإثارة أو التشويق. يقول المخرج، بأن هذا الخيار يأتي استكمالاً لعكس توجه الشباب واهتماماتهم اليوم.
«يوسف» فيلم طموح، وكاظم فياض، يستحق التقدير رغم ثغرات العمل، لأنّه يحدوه همّ مع الشباب بتغيير نمطية السينما اللبنانية، وتقديم عمل يحاكي مآسيهم ومعاناتهم وفقرهم وعوزهم وحاجتهم، في ظل غياب المبادرات في مجتمعهم، ما يجعلهم يضعون الغرب ومهرجاناته نصب أعينهم. لكن السؤال يبقى: هل تحمل دول الشمال أجندات من خلال دعمها الفني لمثل هذه المبادرات؟ وكيف يستطيع الشباب تحقيق ما يصبو إليه بعيداً عن تنفيذ الأجندات السياسية؟ سؤال يحتّم على صناع السينما الشباب التوفيق بين سندان غياب الدعم في دولهم، ومطرقة أجندة الخارج.