لم تنته أزمة فصول القمح المتعفّن بعد. بل هناك شبهات بأن شركة «شبارق ش.م.ل» تحظى بدعم في الكواليس يهدف إلى فحص العينات من الكميات المستوردة، في مختبر البحوث الصناعية حصراً حيث لا تزال النتائج تصدر «مطابقة للمواصفات» بشكل مغاير لنتائج مختبر الأبحاث العلمية الزراعية التي تقول بأن الكميات «غير صالحة للاستهلاك البشري». ولا يوضح أيّ من المسؤولين الإصرار على اختيار هذا المختبر، إذ رفض وزير الاقتصاد أمين سلام أي تعليق على هذا الأمر، وكذلك تذرّع مدير مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد بأنه غير مخوّل بالحديث وأنه أكمل واجباته بإرسال الملف إلى القضاء وهو من مسؤولية وزارة الزراعة في الأساس.
(هيثم الموسوي)

وتأتي هذه الفحوصات الجديدة بعد سلسلة من الفشل في التعامل مع هذا الملف. فقد أكّد مختبر مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في وزارة الزراعة وجود تكتّل وعفن في كل العينات التي تلقّاها في شباط 2023، وبناءً على هذه النتيجة أصدر وزير الزراعة عباس الحاج حسن قراراً بحجزها. لكن بعد الطعن في القرار أمام قاضي الأمور المستعجلة في المتن الشمالي رالف كركبي، استُخرجت عينات إضافية أُرسل معظمها إلى مختبر البحوث الصناعية الذي قال إنه «لا عفن فيها». هكذا، أصدر كركبي قراراً سمح بإدخال القمح وتوزيعه على المطاحن. لكنّ وزارة الزراعة كرّرت الفحص وأكدت تعفّن وتسوّس العينة. حينها تحرّكت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر، وطلبت من وزير الاقتصاد أمين سلام، تكليف مصلحة حماية المستهلك بمعاينة كميات القمح العائدة لشركة «شبارق ش.م.ل» المحجوزة في مطاحن خاصة، للتحقق من صلاحيتها للاستهلاك البشري. حصل ذلك قبل شهر، وخلال تلك الفترة قام مدير مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد طارق يونس بتكليف مراقبين من الوزارة لسحب عينات جديدة من القمح بمرافقة عناصر من الجمارك حتى يتمكنوا من فتح الأختام.
وبحسب المعلومات، تبيّن أن ثمة 1000 طن من القمح من أصل 4500 طن لم تتم معاينتها بعد. لذا، طلب يونس تعليق النتائج إلى حين معاينة ما تبقّى من الشحنة. لكنّ مصادر مطّلعة تقول إن هناك غموضاً في هذا الملف، إذ إن النتائج التي جاءت من مختبر البحوث الصناعية ومختبر رأس بيروت للتحاليل الطبية (RBML) تقسم الشحنة إلى قسمين: الأول هو العينة التي أُخذت من داخل مخازن شركة «شبارق» وقيل إنها مطابقة للمواصفات. والثاني هو العينات التي أُخذت من القمح المخزّن في أحد العنابر في مرفأ بيروت وقيل إنها «تحتوي على الحشرات». علماً أن الشحنة هي نفسها الموزّعة في العنبر والمخازن. هنا، استنتج البعض أن السبب في تفاوت النتائج قد يكون ناجماً عن سوء التخزين في المرفأ وبالتالي يصبح الحلّ الأنسب هو السماح باستخدام القمح المخزّن في مخازن مطاحن الشركة (منذ سنة ونصف سنة حيث بات احتمال التسوّس كبيراً جداً) والحجز على القمح الموجود في العنبر، ما يقود إلى الاعتقاد بأنه جرى تأمين مخرج «مربح» لصاحب الشركة.
أكّد مختبر مصلحة الأبحاث في وزارة الزراعة وجود تكتّل وعفن في كل العينات التي تلقّاها


في موازاة ذلك، كلّفت وزارة الاقتصاد خبيرين من خبراء سلامة الغذاء للتدقيق في نتائج المختبرين، فأكدا أن لا معايير واضحة لمختبر البحوث الصناعية التابع لوزارة الصناعة، ووضعا ملاحظات تتعلق بطريقة أخذ العينات، فلم يتضح إن كانت أُخذت من السطح أو الداخل، ولم يحدّد المختبر كيفية معالجتها ووفق أي معايير. ولم يُعرف بعد إن كان وزير الاقتصاد سيأخذ برأي خبيرَي سلامة الغذاء للطعن في نتيجة المختبرات. وهو ما يخلق مشكلة إضافية حول هذين المختبرين التابعين للدولة وأيّهما هو الأصدق والأكثر تشدّداً في المعايير حفاظاً على صحة المواطن لا التاجر. وعليه دخل الملف في دائرة «اللاثقة» طالما أن وزارتَي الدولة غير متفقتين على المواصفات وآلية المعالجة.