بواسطة هذه الشرائح، يجري التحكّم بدفق الكهرباء داخل الأجهزة. فعلى سبيل المثال، إن أصغر وحدة قياس في جهاز الكمبيوتر هي الـ«bit» التي تساوي صفراً أو واحداً، أي كهرباء أو لا كهرباء. من هنا أتى اسمها «أشباه الموصلات». فكلما زاد عدد المكوّنات في الشريحة الواحدة استطاع الجهاز المزروع فيه الشريحة، تنفيذ أوامر أكثر وبشكل أسرع ليصبح قادراً على ترجمة الأوامر إلى أفعال، مثل دوران غسالة أو إرسال طائرة من دون طيار.
هذا التطوّر بدأ في عام 1954، حين اكتشف الأميركيون طريقة لصناعة الترانزيستور عبر مادة السيليكون، بعدما كان عبارة عن مجموعة من الأسلاك التي يتم توصيل بعضها ببعض من خلال تلحيمها على الشريحة. ومنذ ذلك اليوم، دخلت البشرية في عصر استهلاك الأجهزة الإلكترونية الأصغر حجماً. وتربّعت الولايات المتحدة على عرش هذه الصناعة. وبشكل مستمرّ جرى تطوير هذه الصناعة من خلال زيادة عدد الترانزيستورات في الشريحة الواحدة. لاحقاً، دخلت اليابان إلى هذه الصناعة عبر شركات أمثال «سوني»، «بناسونيك»، «نيكون» و«كاسيو»، وبدأت تغزو العالم في الأجهزة الإلكترونية. ثم في عام 1987، قرّر الرئيس الأميركي رونالد ريغان، والذي كان يحرّض على سياسة الانفتاح التجاري حول العالم، أن يفرض ضرائب جمركية على واردات اليابان الإلكترونية بنسبة 100%، ما أدّى إلى خسائر فادحة للشركات اليابانية وأخرجها من اللعبة.
دورة صناعة الشرائح الإلكترونية عملية بالغة التعقيد والترابط، حيث تُصنع مكوّناتها وتُجمّع في بلدان متعددة
أرادت تايوان، البلد الصغير والمذعور من إعادة ضمّ الصين له، أن تدخل في هذه الصناعة بشكل لا يجعلها في منافسة مع أميركا كما فعلت اليابان، إنما يؤمّن لها، في الوقت نفسه، الحماية الأميركية والدولارات. جاءت نتيجة هذه الاستراتيجية على شكل إنشاء شركة «TSMC» التي أنتجت الشرائح بكلفة متدنية مقابل الخضوع للولايات المتحدة. هذا الأمر جاء على يد موريس تشانغ، الأب المؤسّس لصناعة أشباه الموصلات في تايوان، ومؤسس شركة «TSMC». ومع الوقت، حصلت تايوان على لقب «درع السيليكون»، نسبة إلى أهميتها الاستراتيجية للولايات المتحدة.
سمحت عملية توزيع صناعة وجمع الشرائح الإلكترونية بين حلفاء واشنطن، على حصول الولايات المتحدة على إمدادات دائمة ومؤكدة من هذا الذهب الإلكتروني. لكن أصيب نموذج العمل هذا بالاهتزاز نتيجة مجموعة عوامل، من أبرزها إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب، الحرب التجارية مع الصين، ثم جائحة كورونا التي شرذمت سلاسل الإنتاج والتوريد من جهة، ومن جهة أخرى رفعت من نسبة الطلب على الأجهزة (العمل والدراسة عن بعد). بدا أن نموذج العولمة المعمول فيه، قابل للانهيار، فانطلقت الشركات والحكومات نحو إعادة الاستحواذ على كامل أجزاء هذه الصناعة لتكون في المركز أو في مناطق جغرافية وسياسية قريبة منه. واستمرّت هذه الاستراتيجية بوصول جو بايدن إلى الرئاسة الأميركية لإخراج الصين من هذه الصناعة، حتى بدا أن الحماية التي أمّنها «درع السيليكون» لتايوان، شارفت صلاحيتها على الانتهاء.