من المهمّ ملاحظة الاختلاف بين استقبال أوباما في آسيا واستقباله في أوروبا. فرغم اعتبارها ظاهرة حول العالم، تبقى أوروبا هي مركز الـ«أوباما مانيا». هناك، يشتهر السيد أوباما كرئيس «ما بعد أميركي»، كنسخة جامعة من شخص أوروبيّ اشتراكي ديموقراطي. لا يعمل الآسيويون في ظل هذه الأوهام، على الرغم من الانتشار المحدود لقمصان «أوباما ـــــ ماو» في الصين. فمهما تكن نسبة جاذبيّة السيد أوباما في أوروبا، يريد المسؤولون الآسيويّون معرفة ماذا أعدّ للسلام والأمن في منطقتهم. وفي هذا المجال، لا تفيد كثيراً تقديرات استطلاعات الرأي. ما افتقده الرئيس في التملق الشعبي، عوّضه أكثر من اللازم في التملق الشخصي. في آسيا، صنف نفسه «رئيس أميركا الأول الذي يُعنى بمنطقة الهادئ»، متجاهلاً ما يزيد على قرن من الأدلة المضادة. فقد كانت منطقة المحيط الهادئ مهمة لأميركا منذ أضحت «إمبراطورة الصين» أول سفينة تجارية تصل من البلد المستقل حديثاً إلى الشرق الأقصى في 1784. خلق ثيودور روزفلت دولة جديدة في الهادئ (باناما) وبدأ أعمال البناء في قناة باناما ليضمن انتقال البحرية الأميركية بسرعة أكبر من قواعدها التقليدية في الأطلسي لتنفتح على التحديات في الهادئ. لم يترعرع وليم هوارد تافت على جزيرة في المحيط الهادئ كما فعل أوباما، لكنّه حكم بضعة آلاف منها عندما كان الحاكم العام للفيليبين بين 1901 و1903. خدم دوايت آيزنهاور في مانيلا من 1935 إلى 1939، كما لبس خمسة رؤساء آخرين زيّ بلادهم في الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية، وإثنان منهم، جون كينيدي وجورج بوش الأب، كادا يقضيان هناك. لأسباب جوهرية، كانت رحلة السيد أوباما مخيّبة للآمال. في المجال الاقتصادي، عرض الرئيس لتردّد الحزب الديموقراطي تجاه التجارة الحرة، وإن في أوقات حرجة اقتصادياً، بسبب الخوف من اعتراض الاتحادات العمالية. وفي ما يتعلق بمسائل البيئة والتغير المناخي، أعادت الصين، بشكل متوقع، تأكيد رفضها الموافقة على تقييد انبعاثات الكربون، واضطر السيد أوباما إلى الاعتراف في سنغافورة بأنّ كل الجهود لصنع اتفاق ملزم يحل مكان كيوتو في كوبنهاغن وصلت إلى حائط مسدود.
أما بالنسبة إلى الأمن القومي الأميركي، فقد عاد السيد أوباما من بكين خالي الوفاض بعد جهوده لإيقاف برنامجَيْ الأسلحة النووية الإيراني والكوري الشمالي، ما يعني أنّ عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وشرق آسيا سيزداد بشكل أكيد. في اليابان، ناقش السيد أوباما مسائل مثيرة للجدل مثل القاعدة الأميركية في أوكيناوا، لكن لم يبدُ في تصريحاته العلنية أنّه فهم ما توصل إليه مع الحكومة اليابانية الجديدة. ومن المفارقات أنّ الاستقبال الأكثر
يبدو أوباما عاجزاً أو غير راغب في الدفاع عن المصالح الأميركية لاعتقاده ربّما أنّها غير جديرة بالدفاع عنها
عموماً، عانى أوباما من أكبر إخفاقاته في بكين، في مجالات التجارة والاقتصاد، التغيّر المناخي والمسائل الأمنية. قارن محلل محطة سي.إن.إن دايفيد جيرغين، وهو ليس محافظاً البتة، اجتماعات أوباما في الصين بلقاء كينيدي الكارثي مع القائد السوفياتي نيكيتا خروتشيف في فيينا عام 1961، ما يدل على الطريقة السيئة التي حُلّلت بواسطتها زيارة أوباما محلياً. بدأ الانطباع بضعف السيّد أوباما ينتشر حتى في أوروبا ـــــ مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على سبيل المثال ـــــ وإن ظهر في آسيا أيضاً، سيعاني أوباما والولايات المتحدة كثيراً.
عزا عدد من المحللين الإعلاميين عدم عقد اتفاقات مهمة في بكين، إلى فرضية «الصين الصاعدة، أميركا المتضعضعة»، التي تناسب ميولهم الإيديولوجية. لكن أيّ تحليل موضوعي سيُظهر أنّ ما أدى إلى ذلك هو أكثر بكثير من خضوع السيد أوباما، وأقل بكثير من الحضور الصيني الجديد. يبدو السيد أوباما عاجزاً أو غير راغب في الدفاع عن المصالح الأميركية بقوّة وبفعّالية، ربما لاعتقاده أنها غير جديرة بالدفاع عنها أو أن تراجعها لا يزعجه.
بالطبع، يعتقد معظم الأميركيين أنّهم ينتخبون رؤساء سيمثلون مصالحهم العامة بزخم، عوضاً عن انتخاب حراس مثاليين سيدافعون عنها فقط عندما تنسجم مع رؤيتهم الشاملة لعالم عادل. يتوقع القادة الأجانب، أصدقاء أو خصوم، الأمر عينه. إذا استمر السيد أوباما في التصرف كرئيس «ما بعد أميركي»، فستعرف الصين وغيرها بالضبط كيف تستغله.
* عن «وول ستريت جورنال»: صحيفة يوميّة أميركيّة أنشئت للدفاع عن التجارة الحرة
ترجمة ديما شريف