كلّما اقتربت لحظة الانتقال، كلّما كان ابن سلمان بحاجة إلى إظهار تشدّد أكبر
في حالة ابن سلمان، يشتدّ القمع أكثر، لأنه ما زال بحاجة إلى تلك الخطوة الأخيرة المتمثّلة في تسنّمه العرش رسمياً، وهذه مناسبة مهما كانت شكلية، فقد جرت العادة على أن تواكبها مبايعات خارجية من مراكز القوى العالمية، وتحديداً واشنطن، فضلاً عن المبايعات الداخلية. فقبل أسابيع قليلة، لاحظ المغرّد المعروف «مجتهد» غياب الملك سلمان تماماً عن الصورة في الأشهر الأخيرة، وكتب أنه «تأكد قطعياً أن آخر ظهور للملك كان في جلسة مجلس الوزراء في 23 أيار الماضي» أي قبل نحو ثلاثة أشهر من الآن، بالإضافة إلى أن رئيس الفريق الطبي المشرف على صحته في قصر السلام هو الدكتور علي القحطاني، من طرف مستشار ولي العهد، سعود القحطاني. وكلّما اقتربت لحظة الانتقال، كلّما كان ابن سلمان بحاجة إلى إظهار تشدّد أكبر، وفي هذا السياق جاء اعتقال خبير الصحة العامة، محمد الحاجي، من دون سبب معروف، وهو داعم لولي العهد ولا يتعاطى السياسة. وجاء اعتقاله في أعقاب اختفاء واعتقال مؤثّرين بارزين آخرين بسبب «جرائم» تشمل الانتقاد المُتصَّور لولي العهد، ودعم المرأة وحقوقها.
بالقوة والقمع أيضاً، يواصل ابن سلمان مسعاه لتغيير هوية المجتمع السعودي عبر «الهيئة العامة للترفيه» برئاسة تركي آل الشيخ، من خلال إقامة الحفلات الموسيقية المختلطة وغيرها من مظاهر الانفتاح المجتمعي. ويبدو رجال الدين في المؤسسة الوهابية وقد أُسقِط في يدهم، بحيث لا يستطيعون إبداء أيّ انتقاد لتلك الاحتفالات ولا لتركي آل الشيخ. وقد جرى اعتقال الكثير من الدعاة بسبب انتقادات بسيطة لولي العهد، وبعضهم ما زال في السجن منذ سبع سنوات ويواجهون احتمال الحكم عليهم بالقتل، بسبب تغريدة فقط. هكذا، عطّل ابن سلمان عملياً دور الجناح الوهابي في السلطة، إلّا بما يخدم أجندته، حين يريد منهم تشريع أمر ما دينياً.ولعلّ آخر مثال على ما تَقدّم هو فيلم «باربي»، الذي يُتّهم بأنه يروّج للمثلية الجنسية، ويستمرّ عرضه في صالات السينما السعودية، بينما جرى منعه في دول عربية أكثر انفتاحاً بكثير من المملكة. ومع ذلك، لم يجرؤ أيّ رجل دين، من أصغر داعية، وصولاً إلى مفتي عام المملكة، عبد العزيز آل الشيخ، على الإدلاء بأيّ ملاحظة.
القمع الشديد، يقابله إنفاق باذخ، بل جنوني، على تلميع الصورة من خلال استقدام أهمّ لاعبي كرة القدم إلى الدوري السعودي. وهذه يُدفع ثمنها من المال العام وليس من أموال الأندية التي لا تملك الإمكانية لعقد صفقات بأحجام لا تستطيع حتى الأندية الكبرى في العالم مثل «ريال مدريد» و«بايرن ميونيخ» دفعها. وتُرافق تلك الصفقات همروجات إعلامية، ولا سيما عند عقدها مع أسماء لامعة جدّاً من مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما وأخيراً نيمار.