كان النائب الأسبق فارس سعيد من أوائل الواصلين إلى سن الفيل، لحضور اللقاء المخصص «للتضامن مع الشعب السوري». الرجل المعتاد إلقاء خطاب أسبوعي باسم «الأمانة العامة» لقوى 14 آذار، معروفُ بالنسبة إلى جميع الحاضرين. ولذلك، بدا «تهافت» الميكروفونات باتجاهه، فور وصوله، مفهوماً. وسرعان ما انتهت «جولة» المصافحات، والعناقات، التي توّجها سعيد نفسه بعناق حار مع الإعلاميّة مي شدياق. لكن مغادرة نائب جبيل السابق حصلت بلمح البصر. انسحب سعيد بهدوء، مفضّلاً عدم المشاركة في الحوار الذي سبق إطلاق البيان باسم المجتمعين. وتضاربت المعلومات بشأن أسباب رحيله، إلا أن مقرّبين منه قالوا إنه «يريد إفساح المجال للشباب في صياغة البيان». وبعد الانسحاب «الملتبس» لـ«الأمين العام»، طلب المجتمعون من الصحافيين الخروج لنصف ساعة، وعدم حضور «الجلسة المغلقة». وفعلاً، توقفت الكاميرات عن تصوير الطاولة البلاستيكية البيضاء وجالسيها المتضامنين. وبدأت المداخلات داخل قاعة خاصة تحت الأرض، حيث بلغت فيها الرطوبة مبلغاً يصيب ساكنها بالدوار. هي القاعة الوحيدة التي تمكّن المنظّمون من الحصول عليها، بعدما عجزوا عن إقناع 28 فندقاً باستقبالهم. أبرز المداخلات كانت من شدياق. رفضت الإعلاميّة بحدّة جملة أساسية مذكورة في المسوّدة التي وزّعت على المشاركين. أصرّت على انعدام العلاقة بين «حرية لبنان وحرية سوريا». أكثر من ذلك، طغت اللغة اليمينية المألوفة لبنانياً على تعقيبها، حين أردفت في معرض شرحها «نحنا بحالنا وهني بحالهن». وقفزت فوق هذا الفصل الشوفيني قفزة خاطفة، كأن شيئاً لم يكن، حين أكدت «تضامنها مع الشعب السوري». طبعاً، هذا ليس تشكيكاً في نيّات شدياق «الإنسانية» ولا اتهاماً لها باستثمار الدم السوري لحسابات سياسية. التباين بين وجهة نظرها وأساس اللقاء كان فجّاً. وببساطة، جاءت مداخلتها إعلاناً واضحاً لانعدام التوازن في الخطاب السياسي لـ14 آذار، وخصوصاً في الشق المتعلق بسوريا؛ فشدياق، عن قصد أو من دونه، نعت أحد المفاهيم الأساسية التي وضعها «مهندس» 14 آذار، الصحافي الشهيد سمير قصير، وتبنّتها الحركة السياسية لاحقاً. من ينسى كتاب قصير الشهير «ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان: البحث عن ربيع دمشق»؟ ربما سقط هذا الشق الرئيس المكوّن للتجمع الآذاري سهواً من قراءة شدياق الحالية للأحداث الجارية في سوريا. لكن الأمر المؤكد أن قصير لم يسقط من الذاكرة الجماعية بعد. فالبيان الختامي لم يأخذ في الاعتبار أيّاً من ملاحظات شدياق، وحافظ على الجملة كما هي: «حرية لبنان من حرية سوريا».
المداخلات الأخرى كانت أقل حدةً، من دون أن يعني ذلك أن جميعها لاقى ترحيباً. صحيح أن الحاضرين كانوا يصفّقون مرة تلو الأخرى لكل مساجل، لكن ثمة ملاحظات بدت «باهتةً» أكثر من اللازم. إحدى المساجلات، مثلاً، تمنّت حذف كلمة «مقدمة» التي كانت تفصل بين «ربيع بيروت» و«ربيع العرب». جاء ذلك من دون أي إشارة واضحة إلى محمد بو عزيزي، أو الثورة المصرية، أو الموت البحريني المتفاقم. لم يأخذ أحد بملاحظتها، علماً بأن المجتمعين أوضحوا منذ البداية أن هناك بعداً سياسياً لتجمعهم. لم ينفوا ذلك إطلاقاً. وللأسف، بدو فخورين بهذا البعد. وكان هذا البعد بعيداً عن اهتمامات المتضامنين السوريين. فأحد هؤلاء، وهو من أصول كردية، طالب بأن تكون الجملة الواردة للتدليل على هوية الشعب السوري هي «شعب حر» عوضاً من «شعب عربي حر»، وفعلاً استجاب القيّمون على البيان لطلبه، وحذفت كلمة عربي من البيان الختامي. وفي موازاة ذلك، برز تعليق لافت للكاتب والصحافي حازم صاغيّة الذي صوّب اقتراحاً قدمه أحد المساجلين، تمثل في إدراج كلمة «محارق» للتدليل على الأحداث في سوريا، مشيراً إلى أن «التعبير في غير محله، وفيه الكثير من المبالغة وقلة الدقة في الوصف».
في جميع الحالات، وبمعزلٍ عن الأسباب التي أدت إلى الانعقاد في تلك القاعة الحائرة بين الأرض والسماء، فإن شكل التضامن كان هزيلاً، وذلك باعتراف المنظّمين الذين حاولوا تسجيل «انتصار رمزي» بمجرد نجاحهم في عقد لقاء تضامني، علماً بأن ناشطين في المجتمع المدني اللبناني اعتصموا أكثر من مرة في شارع الحمرا، منذ انطلاقة الأحداث في سوريا، من دون صدور أي إشارة عنهم توحي بنقل الموضوع من الجانب الإنساني إلى الجانب السياسي.
وفي الحديث عن السياسة، بدا انزعاج البعض من طغيان بصمات 14 آذار، من اللحظة الأولى، على اللقاء الذي تميّز بحضور أمني كثيف. هكذا، غادرت مجموعة من المثقفين السوريين، لأنهم شعروا «بوجود كثيف لناشطين في 14 آذار»، ولمسوا محاولةً لاستغلال قضيتهم في البازار اللبناني. وهذا برأيهم أسوأ من الموت نفسه. تحدث أحدهم عن امتعاضه من «محاضرة» النائب خالد الضاهر عن «الإنسانية»، مستغرباً «انتفاضة» الساكتين عن كل الظلم الذي لحق بالعمال السوريين في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
12 تعليق
التعليقات
-
الى الطرابلسي الذي قال :الى الطرابلسي الذي قال : فيصبح اللبناني حر بالتعبير عن رأيه لا يخشى تهديدا بالسلاح أو الاعتقال دون محاكمة" ليه مين قلك أنو ما في حرية لو ما في حرية حضرتك عم تحكي وعم تعطي رأيك مين اعترض ومين اجا اخذك من بيتك وكل الي عم بيصير وعم بيعملوا 14 اذار هيدا مش حرية
-
"من ينسى كتاب قصير الشهير"من ينسى كتاب قصير الشهير «ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان: البحث عن ربيع دمشق»؟ يعني الكاتب افترض إنو اذا هو قرأ الكتاب فالشعب اللبناني كله ومعه العرب والغرب كلهم قرأوه؟ بعدين شو خص سمير قصير بهالموضوع بكل شغلة صغيرة وكبيرة البعض بزج باسمه، ما الها معنى ذكره بهيك اجتماع سياسي محض بل ومسيس حتى العظم
-
دخلك شو قصدك انو ما لقيت خالددخلك شو قصدك انو ما لقيت خالد صاغيه؟قول شو بتعني " خالد محامي بيعرف كيف برد بس بحب قلك مانك مهضوم وشكرا
-
تحت الارضتحت الارض وقرارات تبقى تحت الوصاية الاميركية لن تنفع لا تحت الارض ولا فوق الارض شكرا لتضامنكم مع الشعب اللبناني والفلسطيني في 15 ايار في مارون الراس شكرا لكل دمعة ذرفتموها على الشهداء .........!!!!! شو بدي قول بعد ؟ ولك آخ عنجد أفش إشي بيبسط بعالبلد يا خيي
-
لعل هذه قاعة المظلمة والرطبةلعل هذه قاعة المظلمة والرطبة التي لم تعجبك تشق طريقها إلى النور فيصبح اللبناني حر بالتعبير عن رأيه لا يخشى تهديدا بالسلاح أو الاعتقال دون محاكمة سئمنا ممن يدعي بأنه المقاوم الأوحد و هو يمسح بحرياتنا الأرض.. و سئمنا ممن يخون كل من اراد كشف الحقائق.. و سئمنا من الأصبع الذي يرفع مهددا و جه اللبنانيين الأحرار.. و سئمنا من التهديد بقطع الأصابع و الأيادي و الأرجل كما يفعل الجزار سئمنا و مسئمنا و الى الله المشتكى
-
ما بفهم لي الأخبار بتكتب مقالما بفهم لي الأخبار بتكتب مقال طويل مفصل عن هذا اللقاء التضامني من أجل الشعب السوري (وهذا شيء جيد) وبالكاد تكتب فقرة صغيرة عن الاعتصام العالمي حدادا على شهداء الحرية الذي أقيم في الحمرا يوم الاثنين؟ ألا يستاهل هذه الأهمية تحرك مستقل في الحمرا، تم ترهيبه مسبقاً من قبل زعران النظام في لبنان؟ أو ما في صوت للمستقلين في الدهاليز الآذارية اللبنانية؟ أو ما لازم نفرجي انو في ناس خارج 14 آذار داعمين للثورة السورية؟ أسئلة تنتظر إجابة
-
ذكرتني بكتابينوضع 14 آذار يذكرني بكتابين : 1- فئران الأنابيب "بخشيش" 2-وكتاب لعبة الامم النفط والثروات والشرق الأوسط (وبيت ابو عغال) ومصالح الاستعمار ومصالح وحرية الشعوب والأدوات المستهلكة بالنهاية سوريا تلعب لعبة الأوراق الاستراتيجية مع اميركا وأوروبا واسرائيل وبعض العرب (وسوريا تمتلك الجويزة يعني رح تفرشن عالجويزة) (كل هالدول وحرب عالمية ثالثة وما قدرو على سوريا), حدا يقول لي وين 14 آذار (بهالمعمعة الكروية) وين داخلين؟؟, وهل يستطيع 14 آذار أن يعتبر نفسه لاعب بين هالدول الكبيرة وهو أداة غربية لا أكثر ولا أقل 14 آذار إعلموا حجمكم ومع من تلعبون (هي سوريا ليست أي دولة) لازالت سوريا لم تصرح ولا تصريح رسمي يدين أو يتهم أي طرف ولا زالت تستخدم Soft Power مع كل الأطراف وإذا كشفت الأوراق ستكون صدمة للعالم وصفعة لأوروبا وأميركا
-
ويننبحثت عن الرفيق خالد صاغية واستغربت عدم حضوره هذا اللقاء
-
«شعب حر» عوضاً من «شعب عربي«شعب حر» عوضاً من «شعب عربي حر» >>> بلش التقسيم ياشباب في سوريا .. وخذوا أسرارهم من أفواه صغارهم .. هكذا يريدون لسوريا .. وخيطوا بغير هالمسلة .. كنتو اتضامنوا مع الشهداء بمارون الراس كان أشرفلكم ... وأتمنى للشعب العربي السوري العظيم أن ينتبه إلى حيث يجرونه ..لأن سوريا كبيرة ولازم تبقى كبيرة .. لأنه إذا راحت سوريا راح الشرق العربي كله بفتنة طائفية أبشع من التي تحصل في مصر هذه الأيام