السباق كان على العمى، من الأشطر في قيادة كتلة عمياء؟ هل السؤال صحيح؟ بدرجة ما، لم يكن هناك وقت لخروج الثورة من الميدان إلى شوارع لم تحررها بعد، ولا تزال تحت سيطرة الجامع والكنيسة وشاشة التلفزيون الحكومي. تحالف قديم يعمل في كل الظروف وفق نوتة واحدة، تلغي التفكير، وتعمل على الحشد.نجح الحشد هذه المرة في اللعب على رغبة المشاركة. أمر يتظهّر في جملة واحدة تتكرّر في حوارات الناس في المقاهي أو نواصي الشوارع: «... هذه أوّل مرة أشارك من خمسين سنة». خروج من أجل المستقبل، لكنه تحت تأثير تحالف قوي وأدواته مختبرة وجاهزة، تعرف كيف توصل رسالتها إلى كتلة عمياء.
الإخوان والسلفيون استخدموا أسلحة محرمة مدنياً للاستيلاء على كتلة صادرتها أحزاب «الدولة» طوال ستة عقود. والآن هناك فرصة أو غنيمة تائهة، فليصطدها الأسرع والأقوى تنظيماً ولو باللعب على استمرار التعمية.
«الإخوان» والسلفيون شطّار في التقاط الثمار القريبة. دعايتهم أقنعت الجموع بالاستفتاء على المادة الثانية من الدستور، وحولت التفكير في طريق المستقبل السياسي إلى استقطاب حول «الهوية الدينية» للدولة، وهكذا صوّتت كتل كبيرة من «نعم» دفاعاً عن إسلامها، وشريحة من «لا» مسيحية صوّتت خوفاً من سيطرة المتطرفين.
الحيرة بين الأخضر (نعم) والأسود (لا) حسمت لمصلحة الأخضر، لمن تعوّد أنه رمز يعلّم عليه من دون تفكير. كذلك فإن «نعم» سهلة مريحة، ولا تحتاج إلى إعمال العقل، بينما «لا» صعبة تحتاج إلى إزاحة عن المواقع المستقرة، والتفكير وإعمال العقل.
سارت حشود «نعم» من أجل الدفاع عن الإسلام، لا عن «الإخوان» و«السلفيين». وبالعكس، لم تكن حشود «لا» ضد الإسلام، ولكن ضد «الإخوان» و«السلفيين». التصويت لم يكن كله حشوداً عمياء، هناك قوى ثورية استطاعت اجتذاب قطاعات صامتة دافعت عن الخيال الذي صنع الثورة، خرجت من بيوتها لتراهن على ١٨ يوماً سرقها الثوار من «استقرار» رتّب مبارك تفاصيله ومعالمه لتتحول مصر إلى بحيرة راكدة، تأكل أسماكها المتوحشة حيوية شبابها، وتلتهم كائناتها الطفيلية عناصر النهضة والتحضّر والارتباط بالعصر.
لعب «الإخوان» والسلفيون في جولة الاستفتاء على استعادة «واقعية مبارك» من دون مبارك، طمعاً في احتكار الرقعة كلها، لتبدو ثورة ٢٥ يناير كأنها قامت بهم ومن أجلهم. عصام العريان، المتحدث الإعلامي للجماعة، حكى بطرق مختلفة عن «صناعة إخوانية» للثورة. مرة قال إن أصحاب الدعوة من مجموعة «كلنا خالد سعيد» إخوانيون، وبعد اكتشاف الحقيقة، عاد وأكد أن الإخوان شاركوا في الدعوة رغم أنهم أعلنوا الرفض الواضح قبلها بأيام، وأخيراً حوّل الحكاية إلى التاريخ، معتبراً أن الجماعة تجهّز الثورة من ١٩٤٨.
حركة الجماعة، أو جناحها الميّال إلى بنية السمع والطاعة، تكشف عن رعب من فقدان السيطرة، في ظل هندسة جديدة للحياة السياسية يحرم فيها الإخوان من سحر الاضطهاد.
هنا التقت الجماعة مع عدوّها، «السلفيين»، الجيش السرّي لجهاز أمن الدولة، الذي كان يضرب به جماعة الإخوان، معتمداً على أفكار تحرّم «الخروج على الحاكم».
الجيش السلفي أدى أدواراً مهمة لجهاز أمن الدولة، أهمها احتلال مواقع في الشارع لحصار الإخوان، وممارسة دور الفزاعة لتحجيم سطوة الكنيسة والبابا. السلفيون اكتشفوا جانباً مضيئاً لهم في ميدان التحرير، يخرج عن طاعة الأجهزة التي ربّتهم. السلفي في الثورة، مثل الإخواني، غادر موقعه، وانتمى إلى لحظة الخيال، وتحويل الميدان إلى فضاء متعدد يجلس فيه صاحب اللحية المتدلية إلى جوار فتاة عصرية تضع سيجارة بين إصبعيها ويتكلمان عن المصير المشترك.
السلفي عاد إلى موقعه القديم، واستعاد صورته عندما أعطى لمبارك كل المبررات الشرعية للطغيان. في الأيام الأخيرة لمبارك، أصدر شيخ سلفي فتوى بضرورة قتل البرادعي لأنه يدعو إلى العصيان. الشيخ السلفي، بعيداً عن تلقّيه أوامر الفتوى من ضابط في أمن الدولة كما كشفت الوثائق المتسرّبة من الجهاز، يعتمد على فكرة أن الخروج على الحاكم حرام، لأن النظام غالب ومسيطر.
شرعيّة من الماضي، لكنّ السلفي مؤمن باستعادتها، كأنها حقيقة ناصعة، خالدة. ليس المهم الطريق إليها، المهم أنها ستحقق الخلاص الجماعي والتحول إلى أمّة نقيّة. السياسة هي تذكرة الجنة، للسلفي، لكنها ليست على طريقة جماعات الجهاد (بمفاهيمها القديمة) ولا الإخوان (بحرصهم على البقاء أحياءً في ظل حروب السيطرة والسلطة مع الأنظمة)، ولكن بنشر الدعوة، والتركيز على الحياة الشخصية، حتى تحين اللحظة الحاسمة فيخرجون إلى الشارع لدعم دولة الإيمان النقية.
ويبدو أن الاستفتاء كان الدافع لخروج السلفيين، بمزيد من التوتر، وقليل من الحنكة السياسية. هل لا تزال حركتهم بريموت كونترول من ضباط أمن الدولة المرعوبين، أم هي شعبية شيخهم محمد حسان (انتقل من الهجوم على الثورة إلى الركوب في موجاتها الأولى) التي أغوتهم باحتلال الفضاء السياسي كله؟ حركة السلفيين التقت مع الإخوان على مشاعر التوتر من نغمة «الدولة المدنية»، لكنها استفزّت أجنحة دينية أخرى، لتستيقظ الثارات القديمة مع جماعات الصوفيين الممتدة أفقياً ورأسياً في المجتمع المصري، وتضم ما يقرب من ١٠ ملايين بعيدين عن السياسة، لكنهم «كتلة تصويت سياسية» يمكن توظيفها ضدّ الإخوان والسلفيين، وبالمنطق الديني نفسه أيضاً.
الحرب بين الصوفيين والتحالف (الإخواني والسلفي) بدأت أولاً بالتهديد بتظاهرة مليونية تهاجم طلب السلفيين هدم الأضرحة، وثانياً بتهديد واضح من زعماء الصوفية بضرب حصار على حركة الإخوان والسلفيين معاً.
هذه إشارات إلى أن «نعم» لا تعبّر عن رصيد سياسي يمكن أن يلعب به الإخوان والسلفيون في الانتخابات، وخصوصاً مع ما بينهما من صراع قديم، وعدم وجود تنظيم سياسي للسلفيين، إضافة إلى انشقاق رأسي في الجماعة بين جناح مكتب الإرشاد وكتلته الغارقة في ثقافة السمع والطاعة (الريفية)، وجناح أكثر ميلاً إلى المدنية بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح.
الفزع من اكتساح «نعم» أصاب الحشود، لكنه على الغالب سيمنح تأكيداً لدى القوى الثورية لضرورة البداية في حرب مواقع، عبر تكوين نقابات وإنشاء أحزاب جديدة، وإصدار صحف وبثّ شاشات في ظل إعلام الثورة.
حرب مواقع تنقل روح الثورة من القاهرة (حيث التصويت الأعلى على لا وتليها الإسكندرية) إلى محافظات لا تزال تحت سطوة الحراس السريين الذين يدعمون بقاء النظام القديم، من خلال تمتين أواصر الكتل القديمة في المجتمع، ليبقى المسلم في جماعته محتلاً الشارع، والمسيحي يختبئ في كنيسته ينفذ أوامر البابا.
الثورة تسعى إلى تفكيك التركيبات التي كان يسهل على نظام مبارك السيطرة عليها، لمصلحة تركيبات أخرى تبني على فكرة المصلحة المشتركة، لتتغير البنى السياسية ومعها الاجتماعية والاقتصادية.
تفكيك ينهي الكتلة العمياء، أو يحوّلها إلى ما يسمى رأياً عاماً يكون مزاجه من مصادر مختلفة، ولا يتركها وحيدة تحت سطوة لاعبين محترفين في الحشد تحت إغواء الطريق إلى الجنة.
مبارك قتل السادات!
اتهمت رقيّة السادات، ابنة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بالتورّط في اغتيال والدها على أيدي الإسلاميين عام 1981. وقال بلاغ تقدمت به السادات إلى النائب العام إن أدلة جديدة ظهرت تثبت تورّط مبارك في قتل والدها، لمّح إليها الوزير السابق حسب الله الكفراوي. وطالب البلاغ، بحسب وسائل إعلام رسمية في مصر، بإحالة مبارك على المحاكمة الجنائية وصولاً إلى تطبيق عقوبة الإعدام بحقه.
وكان الكفراوي قد أعلن أن السادات لم يمت برصاص خالد الإسلامبولي، ضابط الكلية الحربية الذي أطلق الرصاص على السادات بحسب الروايات الرسمية، بل إن هناك رصاصاً من داخل المنصة. وأشار إلى أن مبارك كان له مصلحة، وربما شارك، في قتل السادات. لكنه قال أمس إنه ليس لديه أي دليل ملموس على تورّط أشخاص بعينهم في اغتيال السادات.
(يو بي آي)
7 تعليق
التعليقات
-
تلبيس إبليسإذا تبنى الناس الراي الذي يذهب إليه الشيوخ صاروا كتلة عمياء أما إذا اتبعوا تياركم المستنير الذي يخرج الناس من النور إلى الظلمات فهم مفتحين قوي، ما قلتم إلا ما قالت قوم نوح: "الذين هم أراذلنا بادي الرأي" ما أشبه الليلة بالبارحة؟!
-
هكذا هو اسلوب العلمانية الوقحةكعادة ضحايا الخيبة والخذلان لابد من شماعة للأخطاء فمرة يدعون أنه قد حصل تزوير على نطاق واسع وتسويد بطاقات ويأتون بفيديوهات لذلك ثم يتبين أنها مدعاة حيث أن هذه التسجيلات لاستفتاء قديم منذ عدة سنين، ومرة أخرى يزعمون أن اللون الأخضر لدائرة الموافقة أثرت على اختيار الناخبين حيث أنه يشعر بالارتياح مقارنة باللون الأسودوالآن توجه تهمة الجهل للشعب المصري، الاستاذ وائل من الواضح انه لا يعلم شء عن الفرق والجماعات الاسلامية وأفكارها ولا أعلم كيف سمح لنفسة أن يقتحم مجالا هو جاهل به دون أن يكلف نفسة عناء القراء عن التيارات الاسلامية قبل ان يكتب عنها !!!!!!!!!
-
تجنب دور الأقباط!مع متابعتي الدائمة للزميل وائل وإعجابي الشديد لما يكتب ولم أتوقف عند مقاله هذا إلا المرور السلبي في ذكره للأقباط ودورهم حتى لو اكتفوا بمواجهة الأصولية الشرسة الشديدة الارتباط كما جاء في مقاله مع جهاز أمن "الدولة" بالصلاة أو اكتفائه بذكر العودة إلى مرجعيتهم؟!ولعله يعلم أن محاولات قتلهم المستمرة ترقى إلى التطهير العرقي التي توصف به "إسرائيل" فمحاولتها لتهويد فلسطين وسعيها لتدمير لبنان طائفياً أو بحجتها السلبية يوازيها أسلمة مصر أو تسليمها لقضائه وقدره!
-
استاذ وائل أكيد اللي كاتباستاذ وائل أكيد اللي كاتب التعليق على مقال حضرتك هو ابن خال مرات حضرتك
-
أستاذ وائل عبد الفتاح الكاتبأستاذ وائل عبد الفتاح الكاتب الرائع و المحلل المبدع و خيال الفيلسوف دائما أتابع مقالاتك من أيام الفجر مع الأستاذ عادل حمودة مرورا بتجربتك في الدستور مع الأستاذ إبراهيم عيسي حتي الأن في الأخبار اللبنانية حقيقة فعلا كاتب مبدع و مقالات مهمة دائما أستفيد بها
-
هذا راي السلفيين بالثورة قبل إن يركبوا الموجة http://www.salafvoice.com/article.php?a=5115 حكم المشاركة في ثورة يوم 25 من يناير اقتداءً بثورة تونس 16-صفر-1432هـ 21-يناير-2011 السؤال: ما حكم المشاركة في ثورة 25 يناير التي دعا لها عدد من الناشطين على الإنترنت اقتداءً بثورة تونس؟ الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فرغم تعرض الدعوة لحملات الطعن، والاتهامات الكاذبة، وتشويه الصورة، وأنواع مِن الظلم على رموزها وأبنائها؛ إلا إننا انطلاقًا مِن تمسكنا بديننا، وشعورنا بالمسئولية تجاه بلادنا، وحرصًا على مصلحتها، وتقديمًا وتغليبًا لأمن العباد والبلاد في هذه الفترة العصيبة، وتفويتًا لمقاصد الأعداء التي تهدف إلى نشر الفتن؛ نرى عدم المشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير، وكلام المشايخ واضح جدًّا في ذلك، والأوضاع مختلفة بين مصر وتونس. ولا يعني هذا رضانا عن أي مظلمة صغيرة أو كبيرة أصابت الناس وأعظمها تغييب شرع الله؛ لكننا نأتمر بما أمرنا الله به من الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، وبما لا يعقب مضرة أكبر. وأقول للإخوة الأحباب الذين يدعون الشباب للمشاركة خاصة الذين لا يعيشون بيننا: لو كنتم بمصر لكان عليكم ألا تتخذوا موقفًا انفراديًّا دون الرجوع لمشايخ الدعوة، فكيف وأنتم غائبون؟ والمشايخ في الإسكندرية جميعهم -بعد تشاورهم- متفقون على ما ذكرته في إجابتي، وما أظن غيرهم خارجها يخالفهم. موقع صوت السلف
-
الإسلاموفوبيا في بلد المسلمين !ما هذا الكلام يا استاذ وائل ؟!,ملأت مقالك تجني وتحوير للحقيقة وحتى إهانات لأغلبية الشعب المصري ! تقول أن الإخوان كانوا مضطهدين من قبل الأنظمة المتعاقبة (وهم كانوا كذلك)وأن السلفيين كانوا ذراعا لجهاز أمن الدولة (وهذا ليس ببعيد عنهم),وتقول أنهم غير متفقين ومتعادين ومتنافسين,ثم تصر بطريقة غريبة على الجمع بينهم من عنوان المقال حتى آخره وهذه إنما هي طريقة بـروباغنده واضحة لجمع الإخوان (الشعبية الجارفة,والاعتدال)مع السلفيين (الانتهازيين,المتطرفين,المفروضين على وجدان الناس بالمال والإعلام الوهابي) وأنت تفعل ذلك لشيطنة الإخوان !! هل شارك الإخون بالثورة أم لم يشاركوا ؟ تأخذ عليهم أنهم يوظفون مشاركتهم لحشد التأييد لهم,فبالله عليك كيف تعمل بقية الأحزاب والشخصيات إلا كما يفعل الإخوان (وكل له طريقته)؟! الشعب المصري بغالبيته العظمى مسلمون يا أستاذ وائل وطبيعي جدا لحزب إسلامي أن يخاطب جمهورا مسلما بلغتهم,ويحق لك انتقادهم فقط إذا خرجوا عن مبادئ الإسلام الوسطي المتسامح أو تعدوا في خطابهم على الدستور والقوانين,ولا يحق لك أن تحدد لهم نمطا معينا للتعامل مع الناس !! عيب أصلا أن تصف شريحة كبيرة من الشعب المصري "بـالكتلة العمياء",أي مبدأ من مبادئ الديمقراطية اعتمدت عليه ؟! فهل تعرف كيف يفوز الجمهوريون في أميركا بالإنتخابات ؟!,ينتقدهم الآخرون لكن لا يهينوا مؤيديهم بمثل ما فعلت أنت مع شعبك !! كفاكم أيها الليبراليون واليساريون (ولا أقصد الكل) تعاليا وتنظيرا على الشعوب وهذا سبب عزوف الناس عنكم ! لم أسمع منك في هذه المقالة ولا مقالة أمس أي انتقاد أو تشكيك بأغلبية الطامحين إلى الرئاسة من رئيس وكالة دولية سابق لم يكن إمكان له أن يترأسها لولا ارتباطه بأميركا (وهذا ظاهر) أو أمين عام حالي للجامعة العربية التي لم تحد يوما عن بيت الطاعة الأمريكي,إلى عالم (ونحن نجل علمه)نازل على الثورة بمظلة أمريكية,إلى الفريق شفيق الذي تقوم أدوات الإعلام الأميركية الهوى بالتسويق لنزاهته وديمقراطيته وهو كان تلميذ مبارك النجيب !!! هذا الرهاب الشديد من الإخوان غير مبرر,تحاوروا معهم,تنازلوا لهم وخذوا تنازلات منهم,شجعوا الإعتدال وافضحوا تطرف السلفيين المنافقين,لكن لا تنجروا إلى عداوة وجو مشحون تدفع الصالح لحلف مع الطالح,وما حصل في الجزائر يجب أن يكون عبرة لكم.