أستطيع أن أفهم كيف ينجر سياسيون ومحللون وكتّاب إلى أفكار وتحليلات غير مطابقة للواقع الحيّ؛ فهؤلاء تربّوا في ظل القطبية الواحدة، وليس لديهم اطلاع جدي على المتغيرات الإقليمية والدولية، كما أنهم عاجزون، سيكولوجياً، عن ابتلاع حقيقة أن قوة التحالف الأميركي ــ الغربي ــ الإسرائيلي قد تآكلت، في عالم متعدد القطبية.
الوهم المتكرر منذ بدء الأزمة السورية، هو التنبّؤ بأن «تغييراً ما سيطرأ على الموقف الروسي منها». متى وكيف ولماذا؟ ليست هناك إجابة، سوى التوقع الذي يعكس الوهم أو الرغبة. لا يمكن اختصار مصالح روسيا في سوريا في قاعدة بحرية أو الشراكة العسكرية أو الشراكة في استثمارات النفط والغاز إلخ. القصّة مختلفة نوعياً: روسيا عزمت على استعادة موقعها ونفوذها الدوليين بالكامل. وهو طموحٌ يوازي تاريخ الروس وإنجازاتهم وقدراتهم العسكرية وصعودهم الاقتصادي، لكنه، أيضاً، يشكل استراتيجية دفاعية عن الاتحاد الروسي. ومن هنا تكمن صلابة ذلك الطموح الهجومي من حيث إنه، في الوقت نفسه، خطة دفاعية. فالتراجع الآن سنتمتراً واحداً، سوف يهزّ كل البناء الامبراطوري الذي يشيّده القيصر الحديث، فلاديمير بوتين، وسوف ينتقل الإرهابيون الشيشان وإخوتهم من أصقاع العالم الإسلامي، من ريف دمشق، إلى ريف موسكو!
في أواخر المرحلة السوفياتية، ساد اعتقاد لدى النخبة الروسية أن روسيا مصغّرة بلا أعباء الدور الامبراطوري والعالمي، سوف تصبح شيئاً ظريفاً كفرنسا، فإذا بها تتحوّل بلداً منهاراً، يعجز عن دفع الرواتب ويذله الغرب وينهشه الإرهاب. هذا كله أصبح من الماضي. لقد اكتشفت روسيا أن دورها الامبراطوري ــ العالمي شرطٌ لازدهارها القومي.
في عام 1999، كان أغلب الروس مدمنين تائهين يائسين أنصاف جوعى. وفي عام 2013، تقول الإحصائيات الغربية إن 77 في المئة من الروس «سعداء». مَن قال إن السعادة هي، فقط، وظائف وسكن وتأمينات اجتماعية إلخ؟ إنها، قبل ذلك وبعده، الشعور الجمعي بالثقة بالوطن ومكانته وإمكاناته، والشعور الفردي بأن أبواب المستقبل الشخصي مفتوحة؛ فلعيون مَن سوف تفكر روسيا في الانتحار؟
روسيا الامبراطورية لن تتراجع عن دورها العالمي. وفي قلب هذا الدور تقع سوريا، الحليف القديم الثابت، رابطة العقد في المحور الدولي ــ الإقليمي الممتدّ من بكين إلى موسكو إلى طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى جنوب لبنان، حيث القوة الأسطورية لحزب الله الذي تكرّس اليوم حليفاً للقيصرية بعد «اللقاء الحميم حتى الفجر»، بين الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وممثل القيصر ميخائيل بوغدانوف.
إذا فرطت سوريا فسوف يفرط العقد كله، وتنكفئ القيصرية. سوريا رابطة العقد، ورئيسها بشار الأسد هو الحليف الأكثر قرباً للروس من بين حلفاء المحور الجديد، ليس فقط لأنه سليل تقاليد وثقافة الصداقة الروسية ــ السورية، بل، أيضاً، لأنه الأقدر على إدارة تناقضات ذلك المحور في شقه الإيراني ــ العربي.
يترك بوتين لوزير خارجيته الاستثنائي، سيرغي لافروف، أن يدير المعركة الدبلوماسية، لكنه، مع جنرالاته، مستعد لكل الاحتمالات: «الأسد أو لا أحد».. ليس في سوريا، بل في المنطقة كلها. هنا، يمكننا أن نسترجع قولة الامبراطورة الروسية كاترين العظيمة «مفاتيح الكرملين موجودة في دمشق»!
بعد ذلك كله، سوف نقرأ حزب العمل الشيوعي السوري يقرّر قائلاً «نظام الطغمة الأمنية أصبح فاقداً لأي شرعية»! و«النظام مهزوم»! و«لا تتركوها، أيها الرفاق، لجبهة النصرة»! حقاً؟ ولكن هل هناك من يحمي سوريا من «جبهة النصرة» وتركيا وإسرائيل والرجعية العربية سوى هذا النظام «المهزوم»، «الفاقد للشرعية»، والذي تسنده، بالرغم من معارضة «حزب العمل» له، أغلبية السوريين ومؤسسة عسكرية ثبت أنها تستحق النجوم على الأكتاف، وحلفاء إقليميون ودوليون في طور الصعود التاريخي؟
5 تعليق
التعليقات
-
حرامهيدا النقاش المطلوب من العرب'، واحد بمجد باوباما، والثاني رافع علم روسيا. على أي حال كل عمرنا هيك حتى جينز بس بدنا نلبس من فوت على مواقع الغرب لا نشوف شو الموضة. العربي محكوم ب الانهزام عقل وتفكيرا، وهذا المقال على هيك يدل، فيقوا على حالكم المصلحة الأساسية هي مصالح الغرب وبالدرجة الأولى إسرائيل أديس صار ميت كرمال هل الحرية؟ وبعد بس ما يبقى بيت ما مات حدا له ساعتها بتنحل، بس قبل ما ننحل نحنا السورية ومن بعدا اللبنانية ما رح تخلص، شوفوا التاريخ بتعرفوا المستقبل. ولي راح راحت عليه..... وشكرا
-
سبحان الدايمولكن أين هي كاترين العظيمة؟ اين هو الاتحاد السوفييتي؟ اين هو ماوتسي تونغ؟ اين هي العروبة؟ اين هي الخلافة العباسية والاموية وووو..هذا التحليل منافي لحتمية التطور التاريخي الذي تقوم به الشعوب والثورات والحروب والمسارات الإنسانية. اقرؤوا التاريخ جيدا سترون ان لا نظام يدوم على وجه الأرض وأن سنة الكون هي التطور والتغيير. ليست سوريا إرثا لموسكو ولا لغيرها. ليست سوريا عقارا مطوّبا لآل الأسد ولا لغيرهم. الشعب السوري عارف طريقه فلا تقلقوا. لا جبهة نصرة ولا حرس ثوري سيحكم سوريا والأيام بيننا.
-
الله يستر ما يكون تحليلك لبوتين متل تحليلك للملك عبداللهيعني إن شا ءالله ما يكون تحليلك لبوتين متل تحليلك للملك عبدالله,, يعني صدقنا إنه الملك الصغير سيقود الجيش لتحرير القدس بعد ما قرأنا شو رايك فيو. طلع ما بيتحمل غلوة من اوباما. على فكرة, شو اخباره الملك ووين صار موقفه من اللي بصير في سوريا. يا خوفي تطلع متل عزمي بشارة
-
بينما ستتراجع الولاياتبينما ستتراجع الولايات المتحدة و تستسلم و تنكسر أمام الأمبراطورية الروسية !!! ستنهار الولايات المتحدة و يسقط اقتصادها و ستعم الفوضى و يشرد الأميركيون و الى ما هنالك..بالله عليكم كفى أحلاما..حقكن نص فرنك في لعبة المصالح..يكفي أفلام هوليودية
-
اللواء عفيف البزريهل تتذكر رئيس الأركان السورية عشية الوحدة بين مصر و سوريا اللواء عفيف البزري وما نُسِب إليه من قول تعبيراً عن متانة العلاقة بين روسيا و سوريا بأن إسمي البلدين يتكونان من ذات الحروف ؟