أمّا بالنسبة إلى جنود الاحتياط، فنشأت بينهم «نُكت سوداء» في ما يتعلّق بمسألة حرق البيوت؛ إذ كتب أحد الاحتياطيين في منشور: «لرفاقي الاحتياطيين الذين عادوا إلى منازلهم، مرحباً بعودتكم... إليكم مجموعة من التعليمات: لا ندخل البيوت عبر الحائط. لا نترك زجاجات بداخلها بول في الغرفة. لا ننام منتعلين أحذيتنا، للبيت يوجد عنوان لا رقم. لا نرسم على الحائط، لا ننظّف أسناننا باستخدام زجاجات المياه المعدنيّة. لا نصنع ثقوباً في الجدران وحتى ثقوباً من أجل إدخال القُمع (استخدمه الجنود للتبوّل)... وأخيراً من المهم جداً، لا نحرق البيت في طريق خروجنا»، في إشارة إلى أن ما سبق هو ما كانوا يدأبون على فعله في غزة. والواقع أن الإضرار بالبيوت بصورة لا تُمكّن ساكنيها من العودة إلى العيش فيها مجدداً، بدأ، وفقاً لـ«هآرتس»، في وقتٍ مبكر جداً من الحرب، إذ عمل جيش الاحتلال على «تدمير بيوت ناشطي حماس، والمواطنين الفلسطينيين الذين شاركوا في الهجوم (طوفان الأقصى)». كما أحرق بيوتاً «اتّهم مالكيها بأنهم ناشطون في الحركة، وأخرى وجد في محيطها (وليس حتى داخلها) فتحات تؤدي إلى أنفاق». وحتى الشهر الماضي، فعّل الجيش قوى هندسية من أجل تفجير مبانٍ جديدة بواسطة ألغام ومواد قابلة للتفجير. وفي عدد من الحالات دُمّرت البيوت بواسطة أدوات هندسية، من مثل جرافات «دي 9»، أو عبر الحرق فقط من أجل الانتقام، حتى من أشخاص ليسوا على علاقة إطلاقاً بالحرب، وهو ما يحظره القانون الدولي.
في عدد من الحالات دُمّرت البيوت بواسطة أدوات هندسية، من مثل جرافات «دي 9»
إزاء ذلك، ادعت الصحيفة أنه، في الآونة الأخيرة، «توجهت الولايات المتحدة بطلب إلى إسرائيل حتى يتوقف الجيش عن تدمير المباني الجماهيرية العامة في القطاع، من مثل المدارس والمراكز الصحية والطبية»، مضيفةً أن هذا المطلب «قوبل (بالإيجاب) من الجيش والمستوى السياسي، وبات التدمير يجري فقط في الحالات التي يوجد فيها خطر حقيقي على حياة الجنود، وهو ما أدى إلى تسجيل انخفاض في حالات تدمير المباني أخيراً». لكن «الجيش أدرك هو الآخر أن تدمير البيوت بواسطة تفخيخها يتطلّب وقتاً وموارد، ويعرّض الجنود الذين يقومون بالمهمة للخطر»، في إشارة إلى مقتل 21 جندياً إسرائيلياً في تفجير المقاومة مبنيين في مخيم المغازي، كان جيش الاحتلال يشرف على تفخيخهما. وعلى أيّ حال، أكدت «هآرتس» أن الدمار الذي أحدثته إسرائيل في غزة، هو دمار غير مسبوق حتى بالمقارنة مع حروب دائرة في العالم كله، مشيرة إلى تحليل صورٍ لأقمارٍ اصطناعية، نشرته شبكة «BBC» البريطانية، أظهر أن ما بين 144 - 170 ألف مبنى تضرّرت في القطاع خلال الحرب. كما ذكّرت بتقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، الشهر الفائت، قال إن مناطق بأكملها دُمرت في بيت حانون وجباليا وضاحية الكرامة في مدينة غزة، وإن الجيش الإسرائيلي دمّر نحو 350 مدرسة و170 مسجداً وكنيسة.
وعلى خلفية ذلك، لفتت الصحيفة إلى أنه تجري مداولات في أوساط أكاديمية في العالم، حول إمكانية اتهام إسرائيل بارتكاب جريمة «Domicide»، والتي تعني معاقبة سكان منطقة بعينها جماعياً بتدمير مبانيهم بشكل لا تعود معه قابلة للسكن، وهو ما أثار «تخوّفاً» في إسرائيل «من أن هذه المداولات يمكن أن تدفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات ضدها». وبحسب «هآرتس»، فإنهم «في الجيش الإسرائيلي، يدركون أن عمليات إحراق المباني في القطاع من أجل هدمها، من شأنه أن يضع جهاز القضاء الإسرائيلي أمام مشكلة صعبة مقابل الولايات المتحدة، وكذلك مقابل محكمة العدل الدولية في لاهاي». إذ وكما كان الحال في القضية المرفوعة أمام «العدل الدولية»، والتي اقتبست فيها جنوب أفريقيا تصريحات وزراء وأعضاء «كنيست»، في هذه القضية أيضاً، يمكن العثور على صلة بشخصيات سياسية، من بينهم عضو «الكنيست» من حزب «الليكود»، نسيم فاتوري، الذي قال، لإذاعة «كول برماه»، إن «غزة يجب أن تُحرق»، مضيفاً أنه «من الأفضل حرق وهدم المباني بدلاً من تعريض الجنود للخطر... لا أعتقد أن هناك أبرياء في غزّة».