تحرص الصين على أن لا يكون تعزيز علاقاتها بالسعودية، على حساب مصالحها مع إيران
ما لا ريب فيه، أن الولايات المتحدة تَرصد بدقّة التحرّكات الصينية في المنطقة، وتُراقب تحديداً سلوك الدول الخليجية تجاه بكين. وإذ يفعل الأميركيون ذلك، فإن هدفهم ليس ضرْب الشراكات التجارية بين الخليج والصين، والتي تبلغ عدّة مئات من مليارات الدولارات سنوياً، سواءً تَعلّق الأمر بشراء بكين النفط الخليجي، وهي الزبون الأكبر له، أو بالواردات الخليجية والعربية من المنتَجات الصينية التي تغطّي كلّ الحاجات تقريباً، إلّا أنهم، بالقَطع، يرصدون تجاوُز دول خليجية خطوطاً حمراء معيّنة، للتصرّف على هذا الأساس. لكن ما يجب تسجيله أيضاً، هو أن علاقات الولايات المتحدة المتقلّبة مع السعودية هذه الأيام، تُراوح في المنطقة السيّئة منذ 11 أيلول 2001، حين دُهش الأميركيون لرؤية 15 انتحارياً سعودياً من أصل 19 شاركوا في الهجمات على نيويورك وواشنطن، فيما لم يؤدِّ مجيء ابن سلمان إلى السلطة سوى إلى إذكاء التوتّر. ومنذ تلك الهجمات، يتفاخر الساسة الأميركيون، الديموقراطيون والجمهوريون على السواء، بالرغبة في معاقبة السعودية، في حين بدأت الصين مذّاك بسرعة في اختراق هذه المنطقة.
والخطوط الحمر بالنسبة إلى الأميركيين، تعني تَوصّل السعودية وغيرها من الدول الخليجية إلى شراكات استراتيجية وعسكرية مع بكين، مِن مِثل المشروع الذي أوقفته أبو ظبي. والخليجيون، إذا أتيحت لهم الفرصة، يريدون التوصّل إلى هكذا شراكات، ويسعون إلى الحصول من الصين على أسلحة متقدّمة ترفض واشنطن تزويدهم بها، كالطائرات المسيّرة. وفي هذا السياق، نقل موقع «الدفاع العربي» عن وسائل إعلام صينية، أن السعودية والصين عقدتا خلال «معرض الصين الجوّي» صفقة قيمتها 4 مليارات دولار، تشمل شراء خطّ إنتاج طائرة «TB001 Scorpion»، ومجموعة أسلحة الليزر «Silent Hunter»، بالإضافة إلى 300 طائرة هجومية من دون طيّار، وصواريخ «Eagle Strike 21E» الفرط صوتية المضادّة للسفن. لكن أكثر ما يثير قلق الأميركيين هو احتمال مساعدة الصين السعودية في إنتاج صواريخ باليستية، في الوقت الذي تحاول فيه المملكة تعزيز مخزونها من هذه الصواريخ التي تشتريها من الأسواق الدولية.
وبعيداً عن الأميركيين وما يريدون، فللصين نفسها حسابات في المنطقة. وهي تحرص على أن لا يكون تعزيز علاقاتها بالسعودية، على حساب مصالحها الضخمة أيضاً مع إيران التي تُعتبر حليفاً صافياً لها ضدّ الأميركيين، وليست عُرضة لا للتهديدات ولا للإغراءات التي تمارسها واشنطن على الخليجيين. هذا هو منبع الحذر الصيني الذي تَمثّل في أن الإعلان عن القِمم الثَلاث في السعودية، حصل على مستوى منخفض جدّاً، عبر تصريح أدلى به القنصل العام الصيني في دبي، لي شيوي هانغ، إلى صحيفة «البيان» الإماراتية، ثمّ نشَره موقع القنصلية على الإنترنت، أشار فيه إلى أن القِمم سوف تُعقد في أوائل كانون الأول المقبل، وتحديداً في الأيام العشرة الأولى منه، من دون تأكيد حضور شي من عدمه، وإنْ كان خبراء صينيون قالوا لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» التي تمثّل وُجهة نظر الحكومة الصينية، إن من المرجّح حضوره. ويختلف ذلك الإعلان عن «الطنطنة» السعودية التي بدأت منذ أشهر، بالترويج لزيارة دولة سيقوم بها شي إلى السعودية - قورنت بزيارة ترامب التي رقص خلالها العرضة -، ومن ثمّ إعلان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عنها قبل أسابيع قليلة من القِمم الثلاث، لتبدأ المملكة بَعدها توجيه الدعوات إلى القادة العرب المعنيّين.