تولّى خلال الشهور الماضية كتابة بيانات «العرين»، مُصدّراً فيها رومانسيته الثورية
بسيط هو وديع، هكذا بدا حين تحدّث معه كاتب هذه السطور في منتصف الشهر الجاري. وليست البساطة هنا سوى بساطة التعبير والبلاغة، أمّا فهْم الخصم، والقدرة على صناعة التكتيك، والبراعة في تعبئة الجماهير، فقد تجاوَز «ابن الياسمينة» فيها أحزاباً وحكومات وقادة سياسيين. يأسرُ قلبك حتى في اعتذاره عن الالتزام بالموعد المحدَّد سلفاً، ويأسره تارة أخرى حين يضرب موعداً جديداً: «الليلة إذا كان في العمر بقيّة». يأتي الليل وينقطع التواصل به، تُفاجئك رسالته قبيل الفجر: «الصبح يا حبيب نتحدّث إذا أصبحنا». تعيد وجهة نظر الحَوح، الصراع مع كيان الاحتلال إلى المربّع صفر. بالنسبة إليه ولأشباهه من الشباب، المعادلة بسيطة: «يوجد احتلال، إذن هناك مقاومة». وهذا الفهم الذي يشبه «شرب الماء في أدبيّاته»، عابر للاتفاقيات السياسية، وصفوف القيادات التي فرّطت أو تمتلك استعداداً للتفريط. أمّا بالنسبة إلى الأفق القريب، أو مستقبل الحياة، فـ«(أنا) على موعدٍ قريب مع الشهادة». يكرّر الحَوح هذه اللازمة، وقد رفعها ذاتها في وجه عددٍ من قيادات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، حينما عرضوا عليه منصباً مُغرياً، وعفواً من الاحتلال، مقابل تسليم سلاحه، ليردّ عليه «أبو صبيح» قائلاً: «لم أشترِ السلاح بحُرّ مالي حتى أُسلّمه، ولن تكون دماء إخواني الشهداء سُلّماً نتسلّق عليه».
من وجهة نظر وديع، فإن الدافع إلى تأسيس «عرين الأسود» هو توفير المساحة الآمنة للعمل المقاوم، بعيداً عن التجاذبات السياسية. يقول: «تَشكّلت العرين بعد أن أيْقنّا أن العمل المقاوم أصبح مستحيلاً في ظلّ الانقسام الذي مزّق الجسم الوطني، هدفنا أن نجمع الشباب تحت لواء يقاتل لله أوّلاً ثم الوطن، وأن يستيقظ الناس الذين ألْهاهم الاحتلال بالرخاء والرفاه، حتى نسوا أنهم شعب محتلّ، وظنّوا أنهم يعيشون في باريس (...) تشكّلت العرين لإعادة تصويب البوصلة إلى حيث يجب أن تكون». إلى أيّ مدى يمكن أن يتوسّع ذلك التشكيل؟ يجيب: «ليس المهمّ كمْ عددنا، ولا نوعيّة السلاح الذي نمتلكه، المهمّ أن نترك بصمة في عقول وقلوب الناس ونعزّز إرادة الجهاد والقتال لله ثمّ الوطن، ثم لِنرحلْ بعدها».
قضى «بطل الياسمينة». شيّعه عشرات الآلاف من مُحبّيه، والمئات من الذين قرّروا بلا شكّ السير على النهج نفسه. ترك خلْفه عزماً تجاوَز حدود شخصه إلى دواخل جيل كامل يحمل اسمه. ندبه أحبابه وجيرانه: «لقد فقدنا السند». لكنه كان قد استبق مقتله بطمْأنتنا إلى أن «رفاق النابلسي والعموري والعزيزي لا يتركون السلاح... لن يُكسر ظهر المدينة بعدي».