ممارسات القمع والأخطاء منعت المتظاهرين من تصديقه
أيامَ الثورة، خاطب مبارك المواطنين ثلاث مرات، لكن الرابعة كانت عبر بيان سليمان الذي أعلن تنحّي الرئيس، وهو البيان الذي أذيع أثناء انتقال مبارك مع عائلته بطائرة مروحية من قصر الاتحادية في مصر الجديدة إلى القصور الرئاسية في شرم الشيخ، لتكون آخر مرة يرى فيها وعائلته القصر بعد ثلاثة عقود من الإقامة فيه. صحيح أنه في خطاباته أظهر استجابة واضحة لمطالب الشباب، لكن الممارسات القمعية والأخطاء السابقة للنظام منعت تصديق وعوده، بما فيها تلك المتصلة بمرحلة انتقالية تتمّ فيها عملية تسليم وتسلّم للسلطة في غضون أقلّ من سبعة أشهر. هكذا، لم يجد الرجل «خيراً» من وزير دفاعه، المشير محمد حسين طنطاوي، الطاعن في السن، ليُسلّمه مقاليد السلطة، عازياً اختيار الرجل الذي خدم معه عقدين إلى «أمانته»، ومانحاً إياه رتبة لا يحصل عليها في العسكر إلا قليلون، بعدما كان وضعه على رأس الجيش الذي كان من المستحيل أن يصل إليه نوبيون (كطنطاوي). قدّم طنطاوي، لاحقاً، إبان تولّيه المرحلة الانتقالية، مبارك إلى المحاكمة، علماً بأنه لم يكن أمامه سوى هذا الخيار، في ظلّ ضغوط الشارع عليه. لكنه في شهادته أمام المحكمة، حرص على تبرئة مبارك من أيّ اتهامات، كما ساهم بطريقة أو بأخرى في إخفاء المستندات التي يمكن أن تدين الرئيس المخلوع وأبناءه، بل حافظ على مكانة زوجته سوزان التي لم تَمثُل في أيّ محاكمة، على رغم اتهامات لها في أكثر من قضية أُغلق التحقيق فيها سريعاً، ومن بينها تسويات مالية.
على رغم أن «ثورة يناير» اندلعت على نحو مفاجئ وصادم لمبارك ونظامه، إلا أن الأخير سبق له أن تجاهل إرهاصاتها التي كانت قد بدأت بالظهور منذ تحرّك المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، لجمع توكيلات من أجل التغيير، باستغلال الانفتاح الإعلامي والحريات الشكلية الممنوحة آنذاك من قِبَل المخلوع، لتكون «مساحة الحريات» تلك هي القشّة التي قصمت ظهر النظام. ولعلّ هذه هي العبرة الأساسية التي استخلصها عبد الفتاح السيسي، ليبقى ملف الحريات، ومعه ملفات أخرى مثل الإعلام والإنتاج الفني، في عهدة المخابرات حصراً.