المؤكد أن رسائل القرار الذي أنتج العملية النوعية الأخيرة كانت مدوّية في تل أبيب
المؤكد أن رسائل القرار الذي أنتج العملية النوعية الأخيرة كانت مدوّية لدى مؤسسة القرار السياسي والأمني في تل أبيب، لأنها كشفت بالدليل الملموس المدى الذي يمكن أن يبلغه محور المقاومة في مواجهة أعدائه. ومن يتخذ قراراً بهذا المستوى في مواجهة النظام السعودي، فبالتأكيد سيكون أكثر استعداداً لاتخاذ مثله في مواجهة الكيان الإسرائيلي. كذلك، أثبتت ضربة «أرامكو» أن لا شيء يكبح محور المقاومة عن الذهاب إلى أبعد المديات، وهو ما يعني أن لديه قناعة راسخة بحضور قوة ردعه وردّه لدى الجهات الدولية والإقليمية، التي تؤكد أنه مستعد للذهاب أبعد مما كان يتخيّل هؤلاء في سياق مواجهة أي خيارات دراماتيكية عدوانية. السيناريو الوحيد الذي يُبعد هذه الكوابيس عن طاولة مؤسسة القرار في تل أبيب هو أن تخرج إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من تردّدها، وتنتقل إلى استراتيجية أكثر فعالية وحضوراً إزاء طهران، بما يكفل ردعها وحلفاءها في المنطقة. لذا، إن أهم مسار تراقبه إسرائيل حالياً هو كيفية تعامل الولايات المتحدة مع محطة «أرامكو» المفصلية.
أياً كانت طبيعة المناورات التي تنتهجها إدارة ترامب، فإنها في وعي صناع القرار في تل أبيب تنحو في أحد اتجاهين: إما أن تؤدي إلى ردّ أميركي تناسبي يكفل تغيير المعادلة الإقليمية، أو إلى مزيد من الانكفاء في مواجهة إيران. المشكلة بالنسبة إلى إسرائيل، أن الرد التناسبي لا توجد أي مؤشرات عليه، بل إن المؤشرات تتراكم في الاتجاه المعاكس. وفي ترجمة لتلك المخاوف، لفتت قراءة صادرة عن «معهد السياسة والاستراتيجيا» في «مركز هرتسليا» إلى أن «الردع الأميركي في مسار تقويضي متسارع، والكرة الآن في الملعب الأميركي». والمشكلة أيضاً في هذا السيناريو، أن إسرائيل قد تدفع أثماناً هائلة جراءه. أما بخصوص السيناريو الثاني، فإن قلق تل أبيب هو من أن يفضي أيضاً إلى تعزيز قوة ردع إيران وحلفائها. وهو ما حذرت من مفاعيله، كذلك، القراءة المذكورة، بالتنبيه إلى أن الضعف الأميركي «سيستدعي المزيد من الخطوات الإيرانية، بما فيها في مقابل إسرائيل، التي تبدو أكثر فأكثر أنها وحدها في الصراع ضد التهديدات الإيرانية في الساحة الشمالية والعراق». وحذرت من أن يؤدي الانكفاء إلى مزيد من التراجع لدى شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، انعكاساً لعدم الثقة بالسند الأميركي.
وفي هذا الإطار، يقول المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» (23/9/2019)، عاموس هرئيل: «يبدو أن سياسة واشنطن حيال إيران وصلت إلى حائط مسدود. حلفاؤها في الشرق الأوسط يشعرون بالريبة، وهم غارقون في مشكلات داخلية، وإيران في هذه الأثناء تواصل السير حتى النهاية». ويتساءل هرئيل عمّا إن كان ذلك كله سيقود إلى تفكير جديد في الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن الحكمة الكامنة في الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، على الرغم من تحفظات العديد من كبار المسؤولين في الدولتين. وبحسب هرئيل، «في هذه الأثناء لم نسمع أي تعبير عن الندم، على الأقلّ ليس علناً، في واشنطن أو في القدس».