في خضمّ ذلك، حاولت بعض القراءات ربط عودة المرشح لحقيبة الداخلية، فالح الفياض، إلى مناصبه السابقة مستشاراً لـ«الأمن الوطني»، ورئيساً لجهاز «الأمن الوطني»، ورئيساً لـ«هيئة الحشد الشعبي»، بالعمل الجاري على حلحلة العقد الحائلة دون استكمال «الكابينة»، على أساس وجود مقايضة تقضي بإعادة تسليم الفياض تلك المناصب مقابل سحب ترشيحه للداخلية. وفيما رأت قيادات في تحالف «الفتح» أن هذا الترتيب هو «الأفضل» لإتمام «كابينة» عادل عبد المهدي، على اعتبار أنه يحفظ حضور الفياض ودوره في المشهد السياسي، وفي الوقت نفسه يسهم في لملمة شتات العملية السياسية المتعثرة، فضّلت قيادات أخرى في ائتلاف «البناء»، خصوصاً من المقربين من زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، عدم «الذهاب بعيداً» في هذه المسألة، داعية إلى «الفصل بين قرار عودة الفياض إلى مناصبه السابقة وترشيحه لأن يكون وزيراً للداخلية». وفي هذا الإطار، توضح مصادر من داخل «البناء» أن المالكي «بات أمام خيار وحيد، هو التمسك بالفيّاض، والضغط على زعيم (الفتح) هادي العامري، حتى لا تسقط دفاعات (البناء) أمام شروط (الإصلاح)، وبالتحديد زعيم (التيار الصدري) مقتدى الصدر»، مضيفة أن «استيزار الفياض بات مرتبطاً بموضوع انتخاب المالكي نائباً لرئيس الجمهورية»، والذي يرفضه الصدر «جملة وتفصيلاً»، بوصف مصادر تياره.
رأت قيادات من «البناء» في رسالة عبد المهدي تعبيراً عن العجز
هذا المشهد زادته تعقيداً رسالة بعث بها عبد المهدي، مساء أمس، إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي؛ إذ إنها رمت الكرة مجدداً في ملعب الكتل السياسية. وطالب عبد المهدي، الحلبوسي، بـ«تحفيز الجميع للوصول إلى توافق أو اللجوء إلى التصويت»، مقترحاً مجموعة حلول للخروج من الأزمة الراهنة. ويقتضي الحل الأول طرح الأسماء المرشّحة في الوقت الذي يرتئيه الحلبوسي لقبولها أو رفضها، وفي حال رفضها تُقدَّم أسماء بديلة خلال 24 إلى 48 ساعة. أما الحل الثاني، فهو قبول الكتلتين الرئيسيتين (البناء والإصلاح) بالتصويت على 5 أو 6 وزارات متفق عليها وتأجيل البقية، فـ«يُحسم بذلك أمر الوزارات خلال هذا الأسبوع (أي اليوم)، على أن يكون حسم الوزارات المختلف عليها إما بالتوافق أو بإعطاء طرف الحق بالترشيح والآخر بالرفض بهدف الوصول إلى أسماء متفق عليها لعرضها خلال وقت قريب ومحدد». ويفترض الحل الثالث اتفاق الكتلتين على تقديم أسماء جديدة كلياً أو جزئياً، وعرضها على رئيس الوزراء للاتفاق عليها، فيما يتطلب الحل الرابع اتفاق الكتلتين الرئيسيتين على ترك موضوع الأسماء لرئيس مجلس الوزراء، و«لمجلس النواب قبولها أو رفضها، من خلال التصويت دون كسر النصاب وعرقلته». وختم عبد المهدي رسالته قائلاً: إن «أمام الحكومة مهمات جسيمة يُطالب بها الشعب، والتأخير في إنهاء التشكيلة الوزارية يعرقل قدرتها على تنفيذ المنهج الوزاري»، معتبراً أن رئيس الوزراء وحكومته لن يكونوا فقط وحدهم أمام المسؤولية، بل إن التأخير «سيضع مجلس النواب والقوى السياسية أمام المسؤولية أيضاً».
وفي تعليقها على رسالة عبد المهدي، تعرب مصادر من داخل «سائرون» عن تفضيلها الخيار الثاني، على اعتبار أنه لا يمكن حسم الخلافات جميعها خلال الساعات القليلة المقبلة، وعليه يجب تأجيل العقد المستمرة، والمضي فقط بما «يُجمَع عليه»، أي وزارات التربية، التخطيط، العدل، الهجرة والمهجرين، والثقافة، على أن يُحسَم أمر وزارات التعليم العالي والداخلية والدفاع في جلسة لاحقة. وفي المقابل، تفسّر مصادر «البناء» رسالة عبد المهدي بأن الرجل «عاجز عن تقريب وجهات النظر، وغير قادر على التمسك بِمَن اختارهم ليكونوا وزراء في كابينته»، واصفة فكرة التخلّي عن الفياض بأنها «انكسار لرئيس الوزراء أمام رغبات الإصلاح»، معتبرة أن ورقة «الأغلبية النيابية» لا تُصرف داخل الأروقة السياسية إذا «ارتبطت بالخوف من ردّ فعل الخصم».