«سايقة بسوكليت... ماما جبتلي إياه
بعيد ميلادي وتمنّيت.. ألفّ العالم معاه»

[أغنية أطفال، حلا قسيس وفرج سليمان]



طولكرم | بعد انسحاب جزئي لقوات العدو الصهيوني من مدينة طولكرم، الجمعة الماضي، وكنوع من الانتقام، ولكيّ الوعي، اغتال الجنود الطفل قيس فتحي نصرالله وهو يلعب على «السكوتر» الخاص فيه. يظهر في مقطع الفيديو طفل ملقى على الأرض بجانب «سكوتر» يحاول عددٌ من الشبان حمله ونقله إلى سيارة مدنية من أجل نقله إلى المستشفى، مع صوت صرخات: «إسعاف! إسعاف!».
في السابع من شباط، وعقب تشييع الشهيدين إسلام العلي وزياد الدعمة، اللذين ارتقيا عقب اغتيال المطارد معتصم العلي ومصادرة جثمانه، أجرينا حواراً مع فتحي نصرالله، والد قيس، في سعينا لكتابة مادة حول استهداف الطواقم الطبية وفرق الإسعاف في مدينة طولكرم. على مدخل الطوارئ في مستشفى الشهيد ثابت ثابت الحكومي، وقف وشرع يحدّثنا عن أبرز ملامح ما تتعرض له الطواقم الطبية فترةَ خدمته في طواقم الإسعاف. فتحي نصرالله مسعف في «الهلال الأحمر الفلسطيني» و«الإغاثة الطبية الفلسطينية» منذ ثماني سنوات.


وقد شارك، مع مجموعة من المسعفين، في تأسيس فرق الإسعاف التطوعية التي تعمل في مخيم نور شمس ومخيم طولكرم، ذلك لأن النقاط الطبية التابعة لوكالة «الأونروا» تعمل في المخيمات حتى الساعة الثانية بعد الظهر. ومع كل اقتحام، تُحاصر المخيمات بحيث لا تستطيع طواقم الإسعاف الوصول إلى الإصابات داخلها. قاموا بتنظيم دورات إسعاف، وتأسيس فرق تطوعية، وغرف إسعاف في المنازل، مع نقطتين ثابتتين في كل مخيم، من أجل تقديم الرعاية الأولية حتى تستطيع فرق الإسعاف الوصول إلى الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات.
أكثر ما يحزن ويؤلم فتحي نصرالله رؤية جرحى ينزفون حتى الموت، وكذلك نقله للشهداء، حيث في نقل الشهداء مشاعر مقدّسة لا يعتادها المسعف مهما حصل. ويعتبر أن أقسى ما يمكن أن نراه هو الشهداء الأطفال، حيث ملامح البراءة والطفولة. وآخر ملامح الخوف والصدمة كانت يوم 19 أكتوبر، حين شنّت قوات العدو عدواناً على مخيم نور شمس أسفر عن 13 شهيداً منهم 6 أطفال بينهم الطفل يوسف زغدد (11 عاماً).
في حديثه، يتطرق نصرالله كثيراً إلى حجم التهديد الذي يعانون منه جراء استهداف قوات العدو الصهيوني للطواقم الطبية وفرق الإسعاف. فعدا أكثر الأشكال وقاحة وإجراماً كما حدث من اقتحام قوات العدو للمستشفيات واغتيال مرضى -كما حدث في مستشفى الشفاء في غزة أو مستشفى ابن سينا في جنين- هناك استهداف ميداني دائم للطواقم الطبية. فعند كل اقتحام تعلن قوات العدو أن منطقة الاقتحام منطقة عسكرية مغلقة، وهذا يعني رفض أي طريقة لعمل طواقم الإسعاف التي تود الدخول لنقل الجرحى أو للموجودة أصلاً في المخيمات. وادّعاء «منطقة عسكرية مغلقة» يعطي العدو مبرراً لرفض تنسيق دخول مركبات الإسعاف عبر «الهلال الأحمر» أو «الصليب الأحمر»، ويبرر اعتقال المسعفين وإخضاعهم للتحقيق والضرب والاحتجاز والتهديد، وكذلك الاستجواب للحصول على معلومات عن هوية المصابين أو الشهداء، وصولاً إلى الاستهداف المباشر بالنار كما حصل مع سائقة الإسعاف صفية بلبيسي، إذ قامت قوات العدو بتفجير سيارة الإسعاف الجديدة التي تقودها، ما أدى إلى تدميرها وإصابة صفية إصابة متوسطة.
لا ينسى حينما قام الجنود بإيقاف مركبة إسعاف فيها جريح؛ قاموا بطعنه بسكين وقتله بأكثر الطرق وحشية وألماً


أمّا فتحي نصرالله، فقد تعرّض للضرب مرات كثيرة، ورأى شهداء محتجزين ومكبّلين وهو غير قادر على فعل أي شيء، بل وقام الجنود بضربه برفقة ممرضين مرافقين له وإخضاعهم لعملية إذلال وعنف رمزي قاس، واتهامهم بأن كل المسعفين هم «مخربون» وتابعون لـ«حماس». وفي إحدى المرات، استُهدف فتحي بالرصاص، ما أدى إلى إصابته بشظايا. وبالطبع لا ينسى حينما قام الجنود بإيقاف مركبة إسعاف فيها جريح؛ قاموا بطعنه بسكين وقتله بأكثر الطرق وحشية وألماً.
أمس، في تشييع الشهداء، حمل فتحي نصرالله ابنه الشهيد قيس في بكاء لا يمكن تجاوزه، في حلم لا يمكن تخيّله، في صدمة لا آخر لها. وفي مقبرة الشهداء، وبكلمات قليلة، نعت مدرسة ذكور «حافظ الحمدلله» الأساسية ابنها قيس فتحي نصرالله وتمنّت له حياة أفضل في جنات الخلد.