ابن إحدى القرى السبع (صلحا)، المولع باللغة العربية وآدابها، ثقافته الواسعة وبُعد آفاق تفكيره مكّناه من أن يدخل العمل الحزبي من باب التأسيس، وتأطيره لكتلة بشرية كانت منسيّة (الشيعة): الحاج عاطف عون، شخصية فلسطينية لبنانية عروبية، لا يسعنا الإحاطة بها ببضعة سطور. رافق شجوناً وهواجس وما يختلج في خاطر السيد موسى الصدر، وكان واحداً من خمسة (الدكتور مصطفى شمران، الحاج عاطف عون، الحاج حسين الموسوي، الحاج عادل عون، الحاج زكريا حمزة)، الذين أقسموا يمين الولاء لـ«حركة المحرومين»، بحضور مؤسّسها طبعاً، في اجتماع مغلق في دار الإفتاء الجعفري في بيروت عام 1971. حيث تمّ وضع اللمسات الأولى لولادة حركة حزبية بعنوان «حماية المحرومين» الذين كان يتشكل السواد الأعظم منهم من الطائفة الشيعية.
ومن ثم انكبّ أبو عدنان، مع عدد من رفاقه، إلى جانب الصدر، على كتابة وصياغة ميثاق الحركة، الذي برع فيه حتى أصبح الميثاق الناطق لحركة «أمل»، أستاذ في تشريح الميثاق وتعبئة الجماهير، بما يحوي من أسس وقيم ومفاهيم وأهداف وطنية وعروبية. لم يكن يحلو للسيد موسى إلا أن يعرّفه عون في مختلف المناسبات، لأنه كان يعرف وقع كلماته على الجمهور.
تعاقب على مسؤوليات عدة، غلب عليها الطابع التنظيمي والثقافي والديني، وكان يكلّفه أيضاً الرئيس نبيه بري بمهام سياسية إبّان الحرب الأهلية، ولا سيما مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ومع غيره من القيادات الفلسطينية، كون عون من جذور فلسطينية، ويعرف كيف يوائم بين المصلحة اللبنانية وقضية وطنه الأم. كذلك، كان يُعهد إليه حل المشاكل بين الكوادر الحزبية وأخذها بصدره، لأنه كان قريباً ومحبّاً للجميع، وكان أبرزها بين داود داود ومحمود فقيه، اللذين كانا يتقاسمان المسؤولية التنظيمية للحركة في منطقة جنوب النهر وشماله، واجترح حلاً للتنافس بينهما بأن يحل مكانهما ويعيد جمع الكوادر والقواعد في المنطقتين.
كثيرة الميادين التي لمع فيها نجم الفقيد، الذي كان، قبل كل شيء وبعد كل شيء، أستاذاً وإدارياً من الطراز الأول، حيث ترك بصماته في الصروح التربوية الحركية وقبلها في المبرات الخيرية.
أبو عدنان، شخصية عصامية نضالية زاهدة بالمناصب، ربما من الصعوبة بمكان العثور على خامة تتماهى معها اليوم مع سطو العالم المادي والمصالح على القيم والأخلاق التي كانت سائدة قبلاً.
عاطف عون من جيل لن يتكرّر. بحشرية سألت قيادياً عتيقاً في الحركة: هل ثمة من يشبه أو يتماهى مع الفقيد اليوم في الصفوف الحركية؟ قال بحسرة على ندرتهم: «في الجيل الجديد لا يوجد من يُماثله».

* باحث