زحمة قمم أوروبية بلا أثر: «تحالف الراغبين» الأوكراني متعثّر

أكد ستارمر أن قوات أوروبيّة لن يمكنها توفير الضمانات التي يطالب بها زيلينسكي من دون حماية ودعم لوجستي أميركييْن (أ ف ب)
أكد ستارمر أن قوات أوروبيّة لن يمكنها توفير الضمانات التي يطالب بها زيلينسكي من دون حماية ودعم لوجستي أميركييْن (أ ف ب)

لندن | تقود بريطانيا وفرنسا ما يقول رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إنها مبادرة أوروبية لوقف القتال في أوكرانيا، تتضمّن العمل مع نظام كييف على توفير ضمانات أمنية من جانب "تحالف أوروبيين راغبين"، وستُعرض بعد إنجازها على الولايات المتحدة.

وقال ستارمر الذي استقبل في لندن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إنّه ناقش مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طرقاً محتملة للخروج من المأزق الحادّ الذي انتهى إليه لقاء ترامب - زيلينسكي الجمعة. وبحسب ما أدلى به رئيس الوزراء البريطاني، فإن الخطة التي تعمل عليها بلاده وفرنسا ودولة أو اثنتان أخريان، تشمل بالضرورة إرسال قوات بريطانيّة وفرنسيّة ومن عدد من الدول الأوروبيّة الأخرى إلى أوكرانيا، في حال التوصل إلى تسوية ما مع الجانب الروسيّ.

ويأتي ذلك فيما يبدو أن مسألة الضمانات التي يطالب بها زيلينسكي، تمثّل العقدة التي تسببت بكارثة العلاقات العامة خلال لقائه ترامب؛ إذ إن الأول يصرّ على ربط توقيعه على اتفاق إذعان تحصل الولايات المتحدة بموجبه - مقابل دعمها لأوكرانيا طوال سنوات الحرب - على نصف عوائد البلاد من المعادن الثمينة وأيّ اكتشافات جديدة من النفط والغاز، بحصول نظامه على ضمانات أميركية تردع الجانب الروسي عن استهداف أوكرانيا مستقبلاً، فيما يرى الجانب الأميركي أن المصالح الاقتصادية الأميركيّة التي يتضمنها الاتفاق، كافية وحدها لتحقيق الردع المطلوب. على أن ستارمر كان واضحاً في التأكيد أن قوات أوروبيّة لن يمكنها توفير تلك الضمانات من دون حماية ودعم لوجستي أميركييْن، معترفاً بأنّه لم يتلقَّ تأكيدات من ترامب بهذا الخصوص خلال اجتماعهما الأسبوع الماضي.

وفُهم في لندن أن المشاورات الأوروبيّة لتشكيل القوة المشتركة، لن تكون من خلال بروكسيل (مقر الاتحاد الأوروبي)، لأن أي قرار حول ذلك سيتطلب إجماعاً من الدول الـ27 الأعضاء كافة، وهو أمر غير مرجّح. ولذا، سيعمل البريطانيون والفرنسيون على استقطاب بلدان أخرى في القارة قد تكون راغبة بالمشاركة.

وفي هذا الإطار، قال ستارمر «إن (تحالف الراغبين) ليس استبعاداً لأحد، لكننا بحاجة إلى طريقة أسرع وأكثر مرونة للمضي قدماً». وأكّد رئيس الوزراء البريطاني، الذي استضاف في العاصمة البريطانية أمس قمّة لعدد من قادة دول الغرب، أن ترامب يريد سلاماً دائماً في أوكرانيا على الرغم من موقفه تجاه زيلينسكي و«سيدعم جهودنا»، وأن المملكة المتحدة لديها علاقة خاصة بالولايات المتحدة، وعلاقة قوية مع أوروبا، وأنّ خيار لندن سيكون دائماً الحفاظ على كليهما معاً.

وشارك في القمة التي عُقدت في لانكستر هاوس، وهو قصر يعود إلى القرن التاسع عشر بالقرب من قصر باكنغهام في وسط لندن، المستشار الألماني المنتهية ولايته أولاف شولتز، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، بالإضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي» مارك روته، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ورؤساء وزراء الدّنمارك وهولندا والنرويج وإسبانيا وفنلندا والسويد وجمهورية التشيك ورومانيا، كما وزير الخارجية التركي هاكان فيدان. وحاول ستارمر استيعاب غضب مجموعة دول البلطيق (ليتوانيا، إستونيا ولاتفيا) بسبب استبعادها من القمّة، عبر التواصل مع قادتها هاتفياً، ووضعهم في أجواء المحادثات.

ويقلّل خبراء من قيمة القرارات التي يمكن أن تتخذها قمّة لندن، والتي تسبق قمة لزعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسيل الخميس المقبل؛ إذ تبدو «التظاهرة» الأوروبيّة لدعم زيلينسكي برمّتها، أقرب إلى تسجيل المواقف من خارج دائرة التأثير الحقيقي على الحدث في أوكرانيا، والتي تكاد تقتصر فعلياً على الولايات المتحدة وروسيا. كما لا يتوقّع كثيرون أن تفلح مخرجات قمة لندن في زحزحة إدارة ترامب عن رؤيتها في شأن تسوية ممكنة مع موسكو، فيما الأخيرة لا ترى أي منفعة في إشراك الأوروبيين بأي صيغة، سواء في المفاوضات الحالية (مع الأميركيين) أو حتى في ترتيبات ما بعد الحرب.

مواقف الأروبيين ليست متطابقة لا بشأن صيغة التوصل إلى وقف الحرب، ولا حول دور أوروبي محتمل فيها

والأكيد أنّ ترامب، بعدم منحه تغطية لقوات أوروبيّة، وإن لمجرد حماية نظام زيلينسكي داخل أوكرانيا من دون المشاركة في فصل القوات المتحاربة على الجبهة، إنما يضغط على أعصاب الأوروبيين الذين سيجدون أنفسهم خلال أسابيع قليلة في قمة لـ«الأطلسي»، بين خيارَي القبول بمضاعفة إنفاقهم الدّفاعي – وبالتالي مشتريات معدات القتل من الولايات المتحدة – إلى مستوى 5% من الدخل القومي السنوي لكل دولة، مقارنة بالهدف الحالي – 2.5% والذي يقصر كثير من الدول الأعضاء عن الوصول إليه الآن -، أو المخاطرة بانهيار الحلف.

وما يزيد الطين بلّة بالنسبة إلى الأوروبيين، أنّ مواقفهم ليست متطابقة لا بشأن صيغة التوصل إلى وقف الحرب، ولا حول دور أوروبي محتمل فيها، إذ تقود هنغاريا مجموعة من المشاغبين داخل التكتل، ممن يعارضون محض النظام الأوكراني الدعم. وكان رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، الذي لم يُدعَ إلى قمة لندن، قد كتب إلى رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، أنطونيو كوستا، مطالباً إياه بإطلاق محادثات سلام مباشرة مع موسكو. واعتبر أوربان أنه «أصبح من الجلي أن هناك اختلافات استراتيجية في نهجنا تجاه أوكرانيا لا يمكن سدّها عن طريق التلفيق أو مجرد التشاور». وكانت المفوضية الأوروبيّة وزّعت مسوّدة قرارات لقمة الأسبوع القادم – والتي يحضرها زيلينسكي -، تشمل تقديم دعم عسكري إضافي لأوكرانيا وزيادة نوعية في الإنفاق الدفاعي من قبل العواصم الأوروبية. وعبّر ممثل هنغاريا لدى الاتحاد عن تحفظاته على مضمون تلك المسوّدة، وذلك خلال اجتماع تحضيري للقمة عُقد الجمعة الماضي.

من جهته، اعترف رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، قبل لقائه قادة أوروبيين آخرين في لندن بأن وارسو تواجه «معضلة» في تقديم الدّعم الكامل لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، مع الحفاظ على علاقات طويلة الأمد بالولايات المتحدة التي تمثّل دعامة الأمن البولندي. كما حذّرت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، من الانقسامات بين جانبي الأطلسي؛ وقالت، لدى وصولها إلى لندن، إن تلك التباينات الحادة ستشجع أولئك الذين يسعون إلى تدمير «الحرية» الغربية، مشدّدة على ضرورة عقد قمة طارئة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لوضع استراتيجية مشتركة لدعم أوكرانيا.


الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي