أوكرانيا تقبل الوصاية على مواردها | «حجّ» أوروبي إلى أميركا: مهمّة «تليين» ترامب

لندن | يتقاطر القادة الأوروبيون واحداً تلو الآخر إلى واشنطن، في محاولة لتدوير الزوايا الحادّة في نهج الولايات المتحدة المستجدّ تجاه حلفائها التاريخيين على الجانب الآخر من الأطلسي، إذ وبعد زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي حاول الحصول على غطاء أميركي لقوات أوروبية تتولّى حماية الأراضي الأوكرانية لدى نضوج اتفاق أميركي - روسي في هذا الخصوص - من دون مشاركة أوروبية أو أوكرانية في المفاوضات -، توجّه إلى العاصمة الأميركية، أمس، رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، حاملاً سلّة طروحات على "الهوى الترامبيّ"، يرى أنها قد تفتح الباب أمام لندن لتلقّي معاملة أفضل قليلاً من بقية جيرانها الأوروبيين. ومن المحتمل تالياً، وصول الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، للمشاركة في احتفال للتوقيع على اتفاقية تقاسم لثروات أوكرانيا المعدنية مع الولايات المتحدة، في مقابل دعم الأخيرة لكييف خلال ثلاث سنوات من الحرب مع روسيا.
ومن شبه المؤكد أيضاً، أن العاصمة الأميركية ستكون المحطة الأولى لزيارة سيقوم بها زعيم "الحزب الديمقراطي المسيحي"، فريدريك ميرتس، فور نجاحه في تشكيل حكومة ألمانية تحوز ثقة البوندستاغ (البرلمان)، وتولّي منصب المستشار الجديد، خلفاً لسلفه أولاف شولتس.
وكان الرئيس الفرنسي التقى ترامب، الإثنين، في البيت الأبيض، وأشاد بعد اللقاء بما سمّاه "نقطة تحوّل" في موقف الرئيس الأميركي، في شأن خطّة لضمان أمن النظام الأوكراني لمرحلة ما بعد التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يتفاوض عليه الأميركيون مباشرة مع روسيا.
لكنّ أحداً لم يحدّد ماهية نقطة التحوّل تلك؛ إذ إن ماكرون فشل في الحصول على التزام من ترامب بحماية قوات أوروبية تتمركز وراء خطوط فصل القوات في أوكرانيا لردع الروس عن مهاجمة كييف بعد التوصل إلى التسوية المأمولة. وقال الرئيس الفرنسي للصحافيين، بعد اجتماعه إلى ترامب: "ثمة أوروبيون مستعدّون للانخراط في توفير ضمانات أمنية (للنظام الأوكراني)"، مضيفاً أن "هناك الآن رسالة أميركية واضحة مفادها أن الولايات المتحدة، كحليف، مستعدّة للتضامن مع هذا النهج. وهذه نقطة تحوّل من وجهة نظري".
وأبدت فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى استعدادها لتحمُّل الجزء الأكبر من عبء حماية نظام كييف بعد الحرب، لكنّ أيّ قوات أوروبية سترسل إلى هذا البلد، ستكون هدفاً سهلاً من دون حماية أميركية صريحة لمهمّتها، ومن دون دعم لوجستي من قِبَل القوات الأميركية المنتشرة في قواعد عبر أوروبا (50 قاعدة تتوزع على معظم الأقطار الأوروبية، بما في ذلك أوروبا الشرقية في جوار أوكرانيا). وراوغ ترامب في إجابته عندما سُئل عمّا إذا كانت قوة أوروبية من مثل التي تقترحها فرنسا ستحظى بغطاء أميركي، قائلاً إنه "سيكون لدينا نوع من الدعم، لكن الجليّ أن الأوروبيين سيشاركون بقواتهم"، قبل أن يستدرك سريعاً: "لا أعتقد بأن الأوروبيين سيحتاجون إلى الكثير من الدعم لأنني على قناعة بأن روسيا ستلتزم بأيّ اتفاق نبرمه معها".
وبحسب صحف باريس، فإن مسؤولاً فرنسياً مخوّلاً قال إنه "لا يوجد بعد اتفاق نهائي" في شأن طبيعة الدعم الأميركي المزعوم. كما رفضت موسكو التعليق على ادعاء ترامب، الأسبوع الماضي، أنه تحدّث مع فلاديمير بوتين في شأن موضوع نشر قوات أوروبية في أوكرانيا ما بعد الحرب، وأن "الرئيس الروسي ليست لديه مشكلة في ذلك".
ويقول خبراء إن ستارمر سيتابع الجهود من حيث توقّف الرئيس الفرنسي، لإقناع ترامب بمحض القوات الأوروبية العتيدة حمايةً أميركية، وذلك خلال اجتماعه معه في واشنطن اليوم.
أبدت فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى استعدادها لتحمُّل الجزء الأكبر من عبء حماية نظام كييف بعد الحرب
ويحاول رئيس الوزراء البريطاني منذ بعض الوقت، الحصول على تقبّل من ترامب له شخصياً، عبر إرسال إشارات صاخبة متلاحقة وتصدير سياسات تتبنّاها حكومته تتناغم تماماً مع المطالب الأميركية؛ إذ كان أول المتطوعين لعرض تمركز قوات بريطانية على الأرض تتولّى حفظ أمن أوكرانيا، في حين كشف النّقاب، أول أمس، عن زيادة بقيمة 6 مليارات جنيه إسترليني في الإنفاق الدفاعي لبلاده، سيتم تمويلها بالكامل من خلال تقليص موازنة المعونات الخارجية التي تقدّمها لندن، وذلك كصدى لقرار إدارة ترامب تفكيك "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية".
كما تجنب ستارمر اتّخاذ أيّ إجراءات مضادة لتعرفات جمركية فرضتها الولايات المتحدة على واردات الصلب والألمنيوم من أوروبا، ويعتقد بأنها ستقتل على المدى المتوسط ما تبقّى من الصناعات الثقيلة في المملكة المتحدة. ويعتقد ستارمر بأن هذه الخطوات ستسمح لحكومته المحسوبة تاريخياً وأيديولوجياً أقرب إلى الديمقراطيين، بالتعايش مع إدارة جمهورية انعزالية، وإقناع ترامب بمنح بريطانيا - المتأزمة اقتصادياً واجتماعياً - الفرصة لاستعادة دور فقدته خلال مرحلة الحرب الباردة عندما كانت بمثابة وكيل تمثيلي للأميركيين في أوروبا.
ورحّب وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، في تغريدة على موقع "إكس"، بزيادة الإنفاق العسكري البريطاني، واصفاً ذلك بـ"الخطوة القوية من شريك دائم". ومع هذا، وعلى رغم أن مبلغ الستة مليارات جنيه إسترليني يأخذ الإنفاق العسكري من مستوى 2.3% من الدخل القومي حالياً، إلى 2.5% بحلول عام 2027، أي المستوى الحالي المستهدف لدول "حلف شمال الأطلسي" (الناتو)، لكنّه لا يزال بعيداً عن هدف ترامب المتمثل برفع تلك النسبة إلى 5%، يُتوقَّع أن تسعى الولايات المتحدة لفرضها على الدول الأعضاء خلال قمة الحلف في حزيران المقبل.
وفي المقابل، من المفترض أن يعود عدد من الزعماء الأوروبيين إلى الالتقاء مجدداً - في لندن هذه المرّة بعد باريس في المرّة الأخيرة -، في محاولة صياغة سياسة موحّدة تجاه النهج الأميركي الجديد، في ضوء نتائج زيارتَي ماكرون وستارمر إلى واشنطن.
في هذا الوقت، وافقت سلطات كييف على اتفاقية لإشراك واشنطن في استغلال ثروات أوكرانيا المعدنية - بما في ذلك النفط والغاز -، بعد تمنُّع أبداه زيلينسكي لعدّة أيام. وعلّق مسؤولون أوكران آمالاً على أن يفضي الاتفاق إلى تحسّن العلاقة مع إدارة ترامب، وأن يفتح الباب أمام تقديم ضمانات أمنية طويلة المدى للنظام، في حال توصّل الولايات المتحدة إلى تسوية مع روسيا تنهي الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات.
وقال صحافيون من كييف إن واشنطن قبلت بالتخلّي عن المطالبة بإيرادات من الاتفاقية بقيمة 500 مليار دولار، اعتبر ترامب أنها التكلفة التي تحمّلها دافع الضرائب الأميركي لدعم أوكرانيا. وسينشأ، بحسب الاتفاقية، صندوق مشترك مع الولايات المتحدة تساهم فيه أوكرانيا بنصف عائدات الدخل المستقبلي من الموارد المعدنية المملوكة للدولة، بما في ذلك النفط والغاز، والخدمات اللوجستية المرتبطة بها غير تلك القائمة حالياً في البلاد، على أن تعود عوائد الصندوق بالكامل إلى الولايات المتحدة التي يحقّ لها إعادة استثمار هذه الأموال أو جزء منها في مشاريع تنموية في أوكرانيا.
وصادق وزراء العدل والاقتصاد والخارجية الأوكران على مسوّدة الاتفاقية، فيما تستمرّ الاتصالات مع واشنطن لترتيب انتقال زيلينسكي إلى البيت الأبيض لمشاركة ترامب حفل التوقيع النهائي عليها، على رغم أنها لا تتضمّن إشارة إلى أيّ ضمانات أمنية أميركية لنظام كييف، والذي يخشى أن يسهل إسقاطه بعد انتهاء مهمّته.