كان هدف أدولف هتلر إظهار عظمة جرمانيا، وإثبات تفوقها على العالم الأجمع، فشرع في التفكير في نسخ أبرز المنشآت، والموجودة في بلدان أخرى. مبنى الفاتيكان، صالة سينما ضخمة، وملعب أولمبي مفترض أن يتسع لأكثر من 200 ألف شخص، لكن، كل هذا لم يحصل.
على أبواب استضافة البلاد لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1936، تقرر الحفاظ على الملعب الأولمبي الموجود في «عاصمة العالم» برلين، كما أحب هتلر وصفها وقتذاك. الملعب الذي صمّمه المهندس المعماري فيرنر مارخ كان أحد أكبر الملاعب في العالم في تلك الفترة، وكان واحداً من بين عددٍ قليل من المباني التي بناها الاشتراكيون الوطنيون ونجت من دمار الحرب.
ظل الملعب، الذي أصبح ملعب نادي هيرتا برلين لكرة القدم، صامداً رغم كل ما مرّ عليه، وتم تجديده عام 2004 استعداداً لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2006، وها هو اليوم يعود لاحتلال العناوين العريضة بشكلٍ يومي تقريباً عبر عبارة باتت متداولة بكثرة: «الطريق الى برلين».
يأتي هذا الحديث بعد اختيار ملعب العاصمة الالمانية لاستضافة أهم مباراة في موسم كرة القدم الاوروبية، المتمثلة في المباراة النهائية لمسابقة دوري أبطال أوروبا.
عام 1998، كان الملعب الاولمبي محطّ جدال واسع في المانيا، حيث قيل الكثير حول مصيره، مع انقسامٍ بين رأيين: الاول دعا الى هدمه والثاني الى بناء آخر جديد وإبقائه لأهميته التاريخية والثقافية.
بقي الإرث الحضاري جامعاً بين الحداثة والعراقة. العديد من المنحوتات والنقوش تزين الممرات الى داخله. الواجهة والمدخل الرئيسي للملعب صُنّفا معلَمين أثريين لم يمسّا. كذلك الأمر لم يمسّ أسوار الملعب الخارجية الطلاء أو أيادي مهندسي الحداثة. أما سقفه، فهو مصنوع من مواد زجاجية تضفي وهج الشمس على أرضية الميدان. تحت السقف تتدلى الشاشات الالكترونية العملاقة الموزّعة بين اتجاهات مختلفة. والشكل الأساسي له بيضاوي غير مكتمل، وأهم ما يميز مقاعده الـ74.000 سقف يغطيها جميعها.
كل ما حصل من تطوير حديث للملعب كان استعداداً لنهائيات مونديال 2006، حيث احتضن المباراة النهائية بين إيطاليا وفرنسا (فازت إيطاليا بركلات الترجيح 5-3 بعد تعادلهما 1-1 في الوقتين الاصلي والاضافي)، فضلاً عن استضافته سنوياً، ومنذ عام 1985، المباراة النهائية لمسابقة كأس ألمانيا.
صحيح أن اسم ملعب برلين غاب لفترة عند تسمية الملاعب العالمية الحالية، لكن رغم ذلك يبقى تحفة لا شيء قادر على تشويهها أو إزالتها، فهو عايش زمن الحروب، وحدثت المعارك في محيطه وبقي شامخاً.
ببساطة، برلين ليست موطناً لأحد أفضل الملاعب في أوروبا، بل لمعلم تاريخي لن يموت.