جاءت ذكرى شهداء الصحافة قبل أيام قليلة لتُذكّرنا باستشهاد صحافتنا الرياضية كل يوم بعدما أصبحت مهنة الذين لا مهنة لهم. وجاءت هذه الذكرى لتترك حرقة في القلب حول تراجعٍ رهيب يُسجّل للصفحات الرياضية في المطبوعات اللبنانية، التي تنافست يوماً على إصدار أفضل الملاحق ومواكبة الاحداث من خلالها من منظارٍ مبني على الموضوعية والتحليل والنظرة العميقة التي تضع القارئ أمام مادة دسمة بطعمها ومحتواها.

حلم إنشاء صحيفة رياضية يومية على صورة «ماركا» أو «لا غازيتا ديللو سبورت» أو «ليكيب» أو غيرها من المطبوعات الاوروبية التي باتت مدرسةً في عالم الصحافة الرياضية، أراه اليوم أبعد من أي وقتٍ مضى. وهذا الامر مردّه الى أسبابٍ عدة، أولها ضعف الايمان بسوق الاعلانات وما يوازيها بشيء اسمه رياضة، تماماً بعكس ما يحصل في أوروبا حيث تأتي الرياضة في المراتب الاولى عند أي حسابات من هذا النوع.
أما ثانيها فهو ضعف الرياضة اللبنانية التي لا تترك مادة يومية دسمة يمكن البناء عليها لجذب القراء؛ فإذا أخذنا الصحف الاوروبية مثلاً نجد أنها لا تعير أي حسابات في عناوينها أو معالجة مواضيعها لأي إداري أو لاعب مهما علا شأنه، بينما هنا في لبنان عليك أن تراعي هذا أو ذاك في أي كتابة حتى لو كنت على حق، ودائماً تحت شعار ما يسمى بالخصوصية اللبنانية (المضحكة).
أما ثالث الاسباب فهو اهتزاز الارتباط بين الصحف الورقية ومتابعيها، وتحديداً في لبنان، حيث تراجع القراء الحقيقيون لمصلحة من يستقون الاخبار من مواقع الكترونية غير موثوقة أو أحياناً من مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعكس تراجعاً مخيفاً في مؤشر الثقافة العامة.
رابع الاسباب هو أسوأها بالتأكيد، ويتمحور حول غياب الكوادر القادرين فعلاً على مواكبة إطلاق مشروع كبير يتمثل في صحيفة رياضية يومية. ويتفرّع هذا السبب ليعطي أسباباً أخرى لهذا العجز، انطلاقاً من عدم وجود تخصّص في الاعلام الرياضي في جامعات لبنان، وهو أمر أساسي في بناء جسم صحافي رياضي متخصص يتعامل مع الصحافة الرياضية على أنها مهنة لا وظيفة يحصل من خلالها على المال لا أكثر. وهذه النقطة الاخيرة المتلازمة مع «حالة الفقر» التي يعرفها العاملون في هذا المجال، تأخذ البعض الى البحث عن موارد أخرى بطريقة مشبوهة ضمن إطار «الوظيفة»، ما يدق مسماراً آخر في نعش صحافتنا الشهيدة.
بطبيعة الحال هناك الشهادة للصحافة الرياضية عندما لا تحضر الشهادة العلمية في أيدي ممارسي المهنة، إذ أن تهوى الرياضة شيء وأن تكون صحافياً رياضياً شيء آخر، ومطالعة بسيطة لبعض المواقع الالكترونية المعتدية على المهنة تظهر مدى حجم الجرائم المرتكبة حالياً بحق اللغة وقواعدها والمهنة ورياضتها بشكلٍ عام. وهذا الامر سيتعزز بلا شك في الفترة المقبلة مع غياب اي اطار يحمي المهنة، وخصوصاً مع انفراط عقد جمع الاعلاميين الرياضيين تحت سقفٍ واحد.
إذاً في وقتٍ قد تصل فيه إحدى الصحف الرياضية الاوروبية الى بيع ملايين النسخات بين ورقية وإلكترونية (عبر التطبيقات) في يومٍ واحد، تذهب صحافتنا الرياضية أكثر فأكثر نحو الهاوية التي قد تفرضها قرارات أرباب العمل لظروفٍ منطقية تواكب الواقع الصعب للصحف أحياناً. كذلك تذهب صحافتنا الرياضية أكثر نحو الانتحار بإرادتها بسبب ظروفٍ قاهرة يعيشها العاملون في هذا المجال وتدفعهم لتحويلها الى تجارة أحياناً.
لكن رغم كل شيء تبقى بارقة أمل تلوح في الافق عندما تنظر حولك الى بعض بلدان الجوار التي حوّلت صحافتها رجالها الى مخبرين لا يوفّرون فرصةً للنيل من زملائهم عبر تقارير ترفض المهنية وتقبل تقديم الطاعة بشكلٍ يتناقض وأخلاق المهنة الشهيدة.