يتحكم المال في عالم الفورمولا 1، إذ إن فرق أسرع السباقات في العالم باتت تعترف فقط بالمموّلين والمعلنين قبل اعترافها بالسائقين الموهوبين حتى.بات الالماني سيباستيان فيتيل السائق الأعلى أجراً في العالم بعد انتقاله إلى فريق فيراري، ورغم تذبذب مستوى فريق «الحصان الجامح»، إلا أن مبلغ حوالى 50 مليون جنيه استرليني كان كافياً لإقناع السائق الألماني بالانتقال من فريق "ريد بُل" حيث من المتوقع أن يحمل معه شعار شركة "إينفينيتي" إلى الفريق الايطالي، كونه أحد رعاته الذي يرافقه أينما حلّ، ما يعني ان فيراري هو أحد الرابحين في هذه النقلة.
انتقال فيتيل إلى فيراري لم يكن مفاجئاً بقدر ظهور البرازيلي اللبناني الأصل فيليبي نصر في عالم الفورمولا 1 مع فريق ساوبر منتقلاً إليها من سباقات "جي بي 2" بعد تحقيقه المركز الثالث في العام الماضي.

حلّ نصر في مقعد المكسيكي استيبان غوتييريز بأجرٍ لا يتجاوز 125 ألف جنيه فقط، أي أقل بـ163 ألف جنيه من المبلغ الذي كان يتقاضاه الاخير. كذلك فإن نصر شكّل مفاجأة بخطفه مركز السائق الثاني في الفريق من غيدو فان در غارد الذي كان مدعوماً من ضومط سليم ابن أغنى رجل في العالم كارلوس سليم، لكن دعم الرجل المكسيكي لم يكفِ في مواجهة الدعم الذي حازه نصر من البنك البرازيلي (بانكو دو برازيل)، ما جعله الأوفر حظاً لقيادة سيارة ساوبر.
بات "الدفع مقابل القيادة " عاملاً أساسياً في سباقات الفئة الاولى، إذ إن السويدي ماركوس اريكسون نجح في جمع حوالى 20 مليون دولار كإعلانات لدعمه للحصول على مقعد في فريق ساوبر أيضاً، ليكون أول سائقٍ من بلاده يحصل على هذا الشرف.

السائقون يشترون مقاعدهم وآخرون مفتاح سوق الإعلانات


أما أضخم تمويل حصل عليه سائق لقيادة السيارة فكان ما قدمته شركة بترول فنزويلا لمواطنها باستور مالدونادو الذي كان مدعوماً أيضاً من رئيس البلاد الراحل هوغو تشافيز، ليكون أول فنزويلي يفوز بسباق في الفورمولا 1 عندما أحرز المركز الاول في جائزة إسبانيا الكبرى عام 2012 مع فريق ويليامس.
الحقيقة، يتجه عالم الفورمولا 1 ليكون مركزاً عالمياً للإعلانات ليخرج من دائرته الرياضية البحتة، فبات اختيار السائقين مرتبطاً بأمرين: إمكانات الفرق المادية، والأموال التي تحصّلها هذه الفرق من الاعلانات عند اختيار سائق معيّن. لقد بات واضحاً أن الإعلانات تحكم الفرق الكبيرة مثل فيراري ومرسيدس وريد بُل وماكلارين هوندا، فهي تلزمهم بدفع أجور عالية للسائقين الكبار لأنهم يأتون مع معلنيهم، إذ رافق مثلاً "بنك سانتاندر" السائق الاسباني فرناندو ألونسو دائماً وارتبط اسم البريطاني لويس هاميلتون بشركة "فودافون" للاتصالات، فيما تبدو العلاقة جيدة بين مواطنه جنسون باتون والسوق البريطانية. أما الفرق الصغيرة فباتت تتجه إلى اختيار سائقين لا فقط أصحاب أجور منخفضة، لكن وفق من يؤمن لها دخلاً أكبر من الإعلانات.
هذا الوضع الذي وصلت إليه هذه الرياضة بات يستوجب تحركاً سريعاً من قبل الاتحاد الدولي للسيارات الذي يسعى لوضع حدٍّ أقصى للمصاريف السنوية للفريق الواحد. وهذا الامر تطالب به الفرق الصغيرة وتصرّ عليه كونه سيمنحها القدرة على المنافسة بشكلٍ عادل، وقد ظهر هذا الامر جليّاً من خلال مشاكل فريقي ماروسيا وكاترهام العام الماضي اللذين غابا عن سباق "أوستن" في الولايات المتحدة. لكن هذه الخطوة ما زالت تلقى معارضة حوالى 6 فرق، إضافة الى الشركاء المساهمين.
تحتاج الفورمولا 1 إلى البحث عن أساليب لتحقيق التوازن المالي، الأمر الذي قد يساهم في إعادة إشعال منافسة أوسع واستقطاب شركات جديدة إليها ويعيد اليها شعبيتها، فهذه الرياضة تواجه مخاضاً صعباً وتراجعاً في عدد السيارات المشاركة في السباقات وتعنتاً من متموّلين لا يعنيهم من عالم السيارات سوى حصد الأرباح.