أحمد الزعتري
خلال الجدال الذي دار بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز هذا العام على هامش المنتدى الاقتصادي العالميّ، اقتبس أردوغان جملةً لليهودي جلعاد أتزمون «الوحشية الإسرائيليّة تفوق بمراحل الأعمال الوحشيّة الأخرى»... لكن من هو جلعاد أتزمون؟ ولد هذا الأخير عام 1963 في القدس، وانخرط في «جيش الدفاع الإسرائيلي» مسعفاً وموسيقيّاً. خلال اجتياح لبنان 1982، كانت تجربته في معتقل «أنصار» في منطقة النبطية (جنوب لبنان) مفصليّةً. إذ أدرك أن «إسرائيل دولة استعماريّة» فهاجر إلى لندن حيث احترف الموسيقى كعازف ساكسافون، حاملاً لواء الدفاع عن القضية الفلسطينيّة وعودة اللاجئين ومحارباً الصهيونية. كذلك، ردّ على قرار الكنيست بتجريم كل مَن يشير إلى النكبة قائلاً: «بحق الله، دعوهم يحزنون» ثم كتب روايتين، تُرجمت إحداهما إلى العربيّة بعنوان «حبي الواحد والوحيد» (دار الساقي).
هذا التغيّر الراديكالي يعزوه جلعاد إلى عازف الساكسافون الأميركيّ تشارلي باركر. بعد سماع مقطوعاته مرةً، اكتشف أنّ باركر أسود «في المحيط الذي كنتُ أعيش فيه، اعتقدتُ بأنّ الصفات الحسنة حكر على اليهود»، فانتهى إلى تشبيه اضطهاد الفلسطينيين باضطهاد السود، قائلاً بأنّ مصدرهما واحد.
في لندن، أسّس فرقة The Orient House، وأصدر 5 أسطوانات تعاون فيها مع التونسيّ ظافر يوسف، والفلسطينيّة ريم كيلاني. لكنّ الأسطوانة التي ستجلب له الشهرة هي «منفى» (2004) التي فازت بجائزة BBC لكونها أفضل أسطوانة جاز في ذلك العام.
نجح جلعاد باعتباره رائداً في الموسيقى السياسيّة المباشرة. أصدر عام 2006 مشروعاً مختلطاً بين حوارات ونكات وموسيقى الكلزمر (Klezmer) اليهوديّة ذات الأصول الشرق أوروبيّة، حمل عنوان «آرتي فيشل وأرض الميعاد» على اسم متعصّب صهيونيّ. وأخيراً، أصدر «في الذكرى الجميلة لأميركا»، مستعيداً مقطوعات تشارلي باركر لأميركا التي يقف جلعاد ضدّها اليوم، ومحملاً نظامها مسؤولية الانهيار الاقتصادي العالميّ، ومتهماً إياها بأنّها «افتعلت حرب العراق، وتتصرف كمندوب إسرائيليّ لمحاربة آخر جيوب المقاومة».
سيرة قادرة على إصابتنا بالصمت (كي لا نقول الإعجاب). لأنها الحياة التي يجب أن تُسلَك انتصاراً للحقيقة، ولأنّنا نحتاج إلى تداول صرخة أتزمون كما قالت ميّ غصّوب في مقال لها بعنوان «حين نصفق كي لا نصرخ»: «ظللت أصفق لأنه في مكان عميق مني ثمة غضب لا يستطيع قلبي احتواؤه (...)، وغضبي هذا يستعاد لأنني، مثل أتزمون، أحس بالحاجة إلى الصراخ في وجه الجنود الإسرائيليين الذين يقتلون البشر ويرمونهم تحت البيوت المدمرة في مخيم جنين».