من على صفحته على موقع «فايسبوك»، أعلن نبيل فياض عن تيار علماني تحت اسم «التيار الديموقراطي العلماني»، ينوي إنشاءه قريباً. الاسم أكثر من لامع، وسط تلاطم التيارات الأخرى، وخصوصاً أنّ من يتزعمه علماني متطرف، اقتحم المشهد الثقافي السوري بغتة بعناوين إشكالية ومثيرة.ويعلّق فياض موضحاً موقفه مما يجري في البلاد «كل محاولات دمقرطة سوريا ليست غير أوهام/ وديموقراطية باسم الديموقراطية، إنّ أسوأ قتل للديموقراطية هو اغتيالها بسيف وهم/ الديموقراطية، لذلك لا بد من إعادة تفعيل ثقافة الديموقراطية الحقيقية في سوريا، في نوع من الاستجابة لمطالب آنية غاية في الأهمية». سبق الإعلان المنتظر مؤتمر عقد الشهر الماضي، لا يعترف أعضاء التيار الجديد به، ويثبتون أنظارهم نحو التاريخ المنشود، في انتظار معاينة ثقل التيار على الأرض وليس افتراضياً وحسب.
من جهته، يكشف مازن بلال، أحد أعضاء التيار الجديد ملابسات ما حصل بقوله «كان الاسم الأول المقترح للتيار هو «التيار من أجل الجمهورية» لتوسيع القاعدة وتشميلها أطيافاً متعددة، إلا أنّ التيار الديموقراطي العلماني فضّل استفتاء مريديه الذين حسموا التصويت بجرأة لمصلحة إشهار «العلمانية»، المصطلح الأخير الملتبس تحاشته للمفارقة المعارضة السورية، مداهنة «الثورة الإسلاموية»، مكتفية بالتعبير الخجول «المدنية»، رغم أنّ الدولة مدنية بوصفها مؤسسات». بلال يفضل الاستناد إلى القيم والمبادئ التي يحملها التيار، متحصناً بالـ«ديموقراطية المعرفية»، ويشير فياض «ليست ديموقراطية صناديق الانتخابات التي أفضت بديكتاتورية الأغلبية في مصر وتونس»!
إذاً، «النص الأول» للتيار، إن جاز التعبير، يعرف «الديموقراطية كمفهوم معرفي، فالمرجعية الأساسية للديموقراطية هي المعرفة وليس أي مرجعية أخرى دينية أو تراثية»، ويمضي إلى ما بعد ذلك معلناً «العلمانية بما تعنيه من فصل تام للدين عن الدولة، والتلازم الكامل بين الديموقراطية والعلمانية»، في وقت سارت فيه التشكيلات السياسية المحدثة بخجل تحت وطأة قانون الأحزاب من دون التطرق إلى تلك المصطلحات المثيرة للريبة، في شارع سوري مزكوم بأصوليات إسلامية. ويعلن التيار في مبادئه، في تجاوز للتعريفات العامة، رؤيته للجمهورية السورية، أي «بناء دولة الحقّ القائمة على قواعد المساواة والعدالة والتكافل الاجتماعيّ وتكافؤ الفرص، والحفاظ على القضاء المدني والعادل والمستقل لكونه المعيار الحقيقيّ والمتجرّد ،لترسيخ العدالة والديموقراطيّة، وتثبيت حالة الأمان في المجتمع»، وأيضاً اعتبار «الصراع مع إسرائيل قضية مركزية بالنسبة إلى سوريا. وفي ضربة استباقية معرفية، يرى التيار أنّ «إسرائيل تطرح حالة مناقضة للوجود السوري بكل ما يتمتع به من انفتاح وتعددية». مدخل ينطلق منه التيار نحو منظور اجتماعي للوطن من دون تداول كليشيهات حرية المرأة، مكتفياً بالتدليل على «المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق
والواجبات»، داعياً إلى «التربية على المواطنيّة من أجل تحقيق المساواة بين السوريين، واعتماد القوانين الوضعية ووضع قانون مدنيّ اختياري للأحوال الشخصيّة، وفصل الممارسة السياسيّة عن الدين». وبحزم أكثر، يمضي التيار معلناً «عدم تدخل رجال الدين في القضاء واستبعاد القوانين الإلهية كونها علاقة شخصية مع الخالق وليست علاقة مجتمعية سعياً إلى الدولة العلمانيّة». ويطرح «جعل التراث السوري منذ بداية التاريخ إحدى المواد الأساسية في المدارس السورية، وإضافة مادة الثقافة القانونية إلى المدارس والجامعات ونشر التراث السوريّ، واعتماد الشخصيات السورية كرموز مواطنة وانتماء منذ أقدم العصور كمحفز للعطاء والتقدم الحضاري». خطة عمل وبرنامج طموح يطرحها تيار علماني، في زمن لطالما اشتكى العلمانيون من سطوة المؤسسات الدينية وتنظيمها.

* كاتبة سورية