منذ اعتقال السلطات السعودية، في الرابع من الشهر الماضي، مؤسس مجموعة «أم بي سي» ورئيس مجلس إدارتها الوليد الإبراهيم، والجميع ينتظر الخطوة التالية لتحديد مصير المجموعة الإعلامية الأكبر في العالم العربي. وكان متوقعاً، على نطاق واسع، تغيير ملكية المحطة وإدارتها. لكن المفاجأة تمثلت، أمس، في هوية الشخص الذي اختاره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتولي المهمة، وهو الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل السعود.
الخبر انتشر صباح أمس، بعد نشره في صحيفة «المدينة» السعودية، مقدمة المدير الجديد بأنه «حاصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق والعلوم السياسية من جامعة الملك سعود، وترأس مجالس الكثير من الشركات، كما يتمتع بخبرات إدارية متميزة، وأنه يشغل منصب رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للأبحاث والنشر». مع الإشارة إلى أن الخبر نشر كسبق صحفي لا كبيان رسمي، ما دفع الصحيفة نفسها إلى حذفه بعد ساعات، رغم أن معظم المواقع الإخبارية العربية والخليجية تداولته.
وحتى مساء أمس، لم يصدر أيّ بيان رسمي حول الأمر. كذلك لم تشرح «المدينة» سبب حذف الخبر. فيما كانت وسائل الإعلام في مملكة الصمت تنشر الأنباء مع تفاصيل دقيقة.
وكان اسم الأمير بدر بن عبد الله قد ظهر في وسائل إعلام غربية في الأسبوعين الماضيين في قضية شراء ولي العهد السعودي لوحة «مخلص العالم» (سالفاتور موندي) (1506 ــ 1516) لليوناردو دا فينشي (1452 ــ 1519)، بأكثر من 450 مليون دولار. وكشفت جريدة «نيويورك تايمز» أن الأمير بدر هو الذي اشترى اللوحة التي بيعت بأغلى ثمن في التاريخ، في مزاد أقامته دار «كريستيز» في نيويورك الشهر الماضي. وذكرت وسائل الإعلام الغربية أن بدر من المقربين من ابن سلمان، وأنه عند شرائه اللوحة لم يكن سوى «وسيط»، وأن المشتري الحقيقي هو ولي العهد السعودي.
وفور انتشار خبر تعيين بدر رئيساً لمجلس إدارة «mbc»، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات حول علاقة «الصداقة منذ الصغر» التي تربطه بولي العهد السعودي.

مخاوف جدية على مصير
مؤسسات إعلامية تغذيها
«شويري غروب» في لبنان

على أن الأمر الأهم، يتعلق بمصير القناة التي أسسها الإبراهيم قبل أكثر من ثلاثة عقود، والتي تعدّ الأكثر شهرة عربياً وخليجياً. وأثيرت أسئلة عن مستقبل المحطة، سواء في مجال برامجها التلفزيونية (الفنية تحديداً)، أو في مجال التسويق الإعلاني ومصير العقد الموقّع بين الشبكة السعودية وشركة «شويري غروب» اللبنانية للإعلان.
بالنسبة إلى البرامج، اتضح أمس أن تغييراً كبيراً سيطرأ على المشاريع التلفزيونية التي تميّزت بها القناة السعودية. إذ يتوقع الاستغناء عن عدد من الأعمال الفنية والإعلامية التي كانت تواجه انتقادات في الشارع السعودي، ما يعني ــ بحسب معنيين ــ أن تغييراً سيطرأ على وجهة عمل القناة، وأن ملامح التغيير ستظهر مع مطلع السنة المقبلة، الموعد المفترض لتولي الرئيس الجديد لمجلس الإدارة منصبه.
وفيما تجهل غالبية المديرين والعاملين في القناة ما تخبئه الأيام المقبلة لهم، يبدو مكتب «mbc» في بيروت الأكثر قلقاً بين بقية مكاتب المجموعة الموزّعة على أكثر من عاصمة عربية، خشية أن تضربه «ارتدادات» سلبية ربطاً بالنزاعات السياسية والتجارية القائمة الآن على الجبهة السياسية بين لبنان والسعودية. ومع أن العاملين في بيروت لم يتبلّغوا بعد بأيّ قرار جديد، ويتابعون الأوضاع من خلال وسائل الإعلام، إلا أن هناك خشية من تغييرات جذرية قد تُحدث انقلاباً على مستوى الإدارة والجسم التنفيذي، بما فيها الاستغناء عن خدمات عدد كبير من حاملي جنسيات غير خليجية.
وعلى الصعيد الإعلاني، أشارت مصادر مطلعة إلى أن الوجهة لدى القيادة السعودية والمدير الجديد هي إنهاء عقد الخدمات مع شركة «شويري غروب» وعدم التجديد التلقائي للعقد الذي ينتهي في شباط المقبل.
ومعروف أن «شويري غروب» من أكبر الشركات الإعلانية العاملة في السعودية، وكانت تسيطر على قسم كبير من السوق الخليجية بحكم علاقتها مع «mbc». وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن المشكلة مع الشركة تتجاوز المشكلة الخاصة بإدارة القناة، لتلامس حد اتهام الشركة بالمساهمة في إخفاء أموال اتهم الإبراهيم بحجبها عن حسابات الشركة خلال السنوات الماضية. وأدى هذا الالتباس إلى امتناع رئيس الشركة بيار الشويري عن زيارة الرياض منذ توقيف الإبراهيم، وسعيه الحثيث مع سلطات أبو ظبي للحصول على حصانة تمنع التعرض لأعماله في الإمارات العربية المتحدة بحكم العلاقة الوثيقة التي تربط أبو ظبي بالرياض، وتلبية حكومة محمد بن زايد طلبات الحكومة السعودية بالتحقيق مع شركات ورجال أعمال وردت أسماؤهم في التحقيقات الجارية مع الموقوفين في مجمع «ريتز كارلتون».
ويُحكى عن عشرات ملايين الدولارات كانت «شويري غروب» تتقاضاها مقابل الترويج للبرامج الضخمة التي تنتجها القناة، مثل «ذا فويس» و«ذا فويس كيدز» و«أراب أيدول» وغيرها من الأعمال التي تحتاج إلى مبالغ خيالية لتحقيقها. ويتردد أن عملية تبادل للمصالح ربطت بين أصحاب «شويري غروب» وبين الوليد الإبراهيم ومديرين في المحطة.
وبحسب المعلومات الواردة من الرياض، فإن قرار تعيين بدر بن عبدالله قد يكون أصاب «عصفورين بحجر واحد»، إذ أزيح الإبراهيم من منصبه عبر نقل الملكية، ووُجِّهَت الضربة القاضية إلى شويري الذي تدور شبهات كثيرة حول احتمال تورّطه في الفساد المالي.
والطرف الثاني المعنيّ بالأزمة هو شركة الإحصاءات «إبسوس»، بفرعها اللبناني والعامل في الخليج. إذ يتردد بقوة أن ملكيتها الفعلية تعود إلى آل الشويري الذين لطالما استخدموها لتقديم نتائج إحصاءات مشكوك في نزاهتها وصدقيتها، للإمساك بالحصص الإعلانية، وحصرها بوسائل الإعلام التي تعمل مع «شويري غروب» في الخليج ولبنان، وفي مصر التي شهدت انتفاضة كبيرة أطاحت وجود «إبسوس» هناك. ويتحدث قادمون من الرياض عن ملفات موثقة تدين هذه الشركة، وعن سعي جهات نافذة لمقاضاتها في عدة دول، بينها فرنسا، مركز الشركة الأم. علماً أن إدارة «إبسوس» الفرنسية في باريس ترفض أي مسؤولية لها عن عمل الشركة في بيروت والخليج.
ومع تحوّل هذه المعطيات إلى قرارات عملانية، نكون قد دخلنا مرحلة العدّ العكسي لإمبراطورية الشويري في الساحة الإعلانية، ما دفع العائلة إلى المبادرة بخطوات تهدف إلى منع الملاحقات القضائية والقانونية ضدها، وإلى رسم استراتيجية عمل جديدة ستكون بيروت أبرز ساحاتها. وعلم أن اجتماعات عدة عقدتها إدارة «شويري غروب» مع مكاتبها في لبنان ومع وسائل الإعلام العاملة معها، وتحديداً «المؤسسة اللبنانية للإرسال» وجريدة «النهار» ومواقع إلكترونية وإذاعية في بيروت، وسط مخاوف جدية من تعرض هذه المؤسسات الإعلامية لانتكاسات كبرى في حالة سقوط الشويري الذي كان يغذي صندوق بيروت مستخدماً بعض العائدات الخيالية من أسواق السعودية ودول الخليج. فكيف سيكون الوضع، إذا قرر الأمير بدر تكليف «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» (يترأسها بدر منذ نهاية 2015) إدارة القسم الإعلاني في شبكة «mbc»؟
ومعلوم أن «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» من أكبر الشركات الإعلامية والإعلانية في السعودية، ويملك محمد بن سلمان أكثر من نصف أسهمها، وتضمّ صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «العربية» ومجموعة من المجلات التي توزّع باللغتين العربية والإنكليزية. في عام 2016، استحوذت «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» على قناة «العربية» وصحيفة «الشرق الأوسط»، بعدما أعلن رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال بيع حصته (38 في المئة) في الصحيفة، لكن من دون ذكر اسم المشتري. ليتّضح لاحقاً أن ابن سلمان يوسّع مروحة استحواذه على الإعلام، وفرض سلطته و«سعودة» وسائل الإعلام. وكانت أولى الخطوات في «العربية» التخلّص من عدد كبير من الموظّفين العرب والأجانب وتعيين سعوديين مكانهم.
ومع تولي الأمير بدر منصبه الجديد في كانون الثاني المقبل، يتوقع حلّ مجلس الإدارة الحالي وتعيين مجلس إدارة جديد، وانطلاق أوسع عملية تغيير في مسار الإعلام السعودي منذ تعيين الزميل داود الشريان رئيساً لـ«هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودي» قبل شهر، وصولاً إلى تبوّؤ تركي آل الشيخ إدارة قناة «روتانا»، وكلها خطوات تخدم فكرة واحدة: إنتاج أدوات إعلامية تروّج لرؤية ولي العهد.