السوق الإعلامية المفتوحة تعتبر ضرورة عصرية، لكنّها في بلد محكوم بالسبحانية مثل مصر تودي إلى نتائج كارثية، كأن يقتحم توفيق عكاشة الهواء باتصال مع مذيعة تعمل في قناة يديرها ليوبّخها على الهواء ويطلب منها أن تنهي البرنامج بسبب استقبالها ضيفاً لم يعجبه! أسس عكاشة مدرسة في الإعلام المصري تخرّجت منها بسمة وهبة (الصورة) التي تقدم برنامج «هنا القاهرة» على تلفزيون «القاهرة والناس».
المذيعة وقف فهمها للإعلام عند الردح وشدّ الشعر بين جارات نصبن لبعضهن الكيد والعداء ورحن يتقاذفن الشتائم على طريقة الأفلام المصرية القديمة، حتى عند الوقوف على عتبة القضايا الكبرى. قرّرت وهبة أخيراً أن تطلق ثورة في الاستديو. عقدت حاجبَيْها ورمقت المخرج بنظرة ثاقبة تُذيب الحديد، وتبكي الحجر، وقالت له: «قرّب الكاميرا». كان ينقص أن تناديه باسمه لتصبح الجملة مثلاً «قرّب الكاميرا ياحمد». ثم سألت المشاهد بحزم قاطع: «ده إيه؟». لم يميّز المشاهد لثوان ماذا يرى لأن الصفحة بيضاء، قبل أن يظهر علم «إسرائيل» وقد رُسم بأنامل المذيعة بأعتى درجات الشحّ الإبداعي. استمر مونوتون الردح، وأجابت بسمة: «ده علم إسرائيييييييييييييل»، ثم مزّقت الورقة! هنا، باغتها فريق البرنامج بالتصفيق الحار، قبل أن تقول كلمتها الشهيرة التي ستتوارثها الأجيال العربية وتضع الورقة في كأس ماء: «لأ مش كده وبس. أنا حبلّوا وتروح إسرائيل تشرب ميّتو... وتحيا القدس عربية». مرّة ثانية، ستبذل وهبة جهداً مضنياً لتحرز النظرة الحاسمة والعين التي تجرّب أن تفيض غضباً، وتأمر المخرج: «إطلع بالفاصل». لم يكن ينقص هذا المشهد سوى «جودة أبو خميس» و«أسعد خرشوف» بطلي مسلسل «ضيعة ضايعة»، ليقولا لها بصوت واحد: «شو قوية». الإعلام العربي أحد أسباب انهيار الأمّة العربية، مرّة بتآمره ومرّات بسذاجته وجهله!