النقاش الانتخابي، رغم السواد الذي يحيط به، لا يخلو من نقاط مضيئة. من بينها أن النسبية باتت واقعاً في أي قانون انتخابي؛ وأن التمديد بات احتمالاً ضئيلاً بعد موقف الرئيس سعد الحريري أول من أمس؛ وأن البحث في إنشاء مجلس الشيوخ وصلاحياته ورئاسته وهيكليته وصل حد تبادل الصيغ والاقتراحات بين الأطراف السياسية.
«إلى مجلس الشيوخ در» يبدو «شعار المرحلة». مصادر بارزة في التيار الوطني الحر أعربت لـ«الأخبار» عن تفاؤلها بأن «هناك فرصة حقيقية قد لا تتكرر لإقرار قانون انتخابي من ضمن إصلاح سياسي، خصوصاً ان النيات الطيبة موجودة لدى الجميع». تبادل الأوراق والصياغات في شأن إنشاء المجلس، بحسب المصادر، «أمر جيد جداً ويضع هذا الملف على السكة الصحيحة»، و«يشكل نقلة كبيرة نحو اعتماد النسبية في الانتخابات النيابية». وإذ أقرّت بأن التوصل الى قانون في هذا الشأن قد يحتاج الى وقت، إلا أنها اعتبرت أن في الامكان الوصول إلى ما يشبه «إعلان مبادئ».
المصادر لفتت الى أن الاتفاق على مشروع الوزير جبران باسيل التأهيلي، قبل «الانقلاب» عليه، تضمن اعتماد هذا المشروع مرة واحدة فقط مع ضمانات بإنشاء مجلس شيوخ، على أن تعتمد النسبية الكاملة في مجلس النواب وفق دوائر متوسطة أو صغيرة في الانتخابات التي تلي. وفي حال تمكّنت الأطراف السياسية من الاتفاق على إنشاء المجلس سريعاً، يسقط التأهيلي ويُمدّد لمجلس النواب تقنياً حتى أيلول المقبل على أن يُنتخب مجلس الشيوخ قبل نهاية 2018».
المصادر كررت ما أعلنه باسيل أول من أمس بـ«أننا غير متمسكين بأي قانون، ونحن ايجابيون وجديون إزاء كل ما يُطرح»، و«مستعدون للسير في النسبية شرط الاتفاق على عدد الدوائر والصوت التفضيلي وعتبة التأهيل». وهي تحرص على عدم القطع مع الرئيس نبيه بري رغم الخلاف على القانون التأهيلي. وفي هذا السياق، توضع إشارة الرئيس ميشال عون الى المادة 25 من الدستور. فرئيس الجمهورية، بتأكيده أن لا فراغ سيحصل وبأن في امكان مجلس الوزراء الدعوة الى إجراء انتخابات خلال ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية المجلس، لا يرغب بالعودة الى «الستين»، وإنما أراد التأكيد على محورية المجلس النيابي اولاً، وقطع الطريق ثانياً على أي تفكير بإمكان تفويض الحكومة إصدار مراسيم تشريعية، الأمر الذي يثير حساسية بري.

المشاريع الباسيلية

المصادر روت لـ«الأخبار» «قصة» المشاريع الباسيلية المتتابعة وملابساتها. وذكّرت بأن التأهيلي «هو أساساً مشروع الرئيس بري ووافقنا عليه، كما وافق هو على اقتراح المختلط (الطوائف التي تبلغ نسبة أبنائها في دائرة 65% وما فوق، يُنتخب نوابها في هذه الدائرة وفق الأكثري)». وأضافت أن موافقات أولية كانت قد أُعطيت على المختلط في اجتماع في مكتب الوزير علي حسن خليل، «وأُخذت صور تذكارية يومها. لكن حزب الله طلب مهلة لإعطاء رد نهائي. وعندما جاء الجواب سلبياً عقدنا جلسات عدة، قبل أن نطرح التأهيلي الذي كنا قد وضعنا الجميع في جوّه. رفضه الرئيس الحريري لأنه أراد تأهيل ثلاثة مرشحين عن كل مقعد فلم نقبل. بعدها خرجنا باقتراح المختلط الثاني (69 نائباً وفق الأكثري و59 وفق النسبي). مرة أخرى، حصّلنا موافقات مبدئية لكن حزب الله طلب أن يجري انتخاب الـ59 في دائرة واحدة مع تحرير الصوت التفضيلي. تبين أن الأمور مش ماشية، فعدنا الى التأهيلي مجدداً».
وكشفت المصادر أن التأهيلي حاز موافقة تيار المستقبل والتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل قبل أيام من رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب عشية جلسة التمديد. وأوضحت: «ليل الأحد الذي سبق رسالة الرئيس كانت هناك نقطتان عالقتان: الأولى عدد المرشحين المؤهلين عن كل مقعد (التيار مع مرشحين والمستقبل مع ثلاثة)، والثانية ضمانات كان يطالب بها التيار لإنشاء مجلس الشيوخ. وفي ليلة توجيه الرسالة، زار الحريري بعبدا وأبلغ الرئيس رسمياً موافقته على الاقتراح، وتلقى باسيل اتصالاً من خليل يبلغه فيه الموافقة، وطُرحت يومها فكرة عقد جلسة للحكومة ليلاً للتصويت على المشروع. لكننا فضّلنا التريث للتشاور مع القوات اللبنانية... إلا أننا فوجئنا بالأجواء تنقلب بعد عطلة عيد الفصح».
وشدّدت على أن التأهيلي «هو حتى اليوم أكثر المشاريع التي تحوز التزاماً واضحاً من أكثرية ميثاقية وعددية». أما ما يعاب عليه بأنه يميّز بين الناخبين لجهة عدم مشاركة بعضهم في مرحلة التأهيل «فقد قدّمنا حلولاً له، منها أن يكون التأهيل على أساس الدوائر المختلطة، وهو ما نفضّله، أو في أسوأ الأحوال أن يصوّت هؤلاء في الدائرة الأقرب الى دائرتهم، كأن يصوّت سنّة الكورة، مثلاً، في طرابلس. وهذا أمر متاح لأن الصناديق أصلاً مفروزة مذهبياً». وعلقت على التلويح بالطعن في الاقتراح لعدم مساواته بين الناخبين بالسؤال: «أين المساواة في القانون الحالي حيث هناك نوّاب يُنتخبون بـ 12 ألف صوت وآخرون يصوّت لهم 110 آلاف مقترع؟». وقالت: «قد نكون مختلفين على أمور كثيرة، لكن في الأرقام كلنا نقرأ بعضنا جيداً».