كرّت السبحة وعادت اللقاءات ذات اللون الطائفي لتلتئم في دور العبادة المخصصة للصلاة. قرنة شهوان – 2017 أطلت من سيدة النجاة في زحلة هذه المرة، معيدة الأسطوانة نفسها، راسمة خطوط تماس وتقسيم داخل الأقضية والقرى والأحياء.
علماً أن مبرر الخلية المذهبية الأولى كان وجود قادة الأحزاب المسيحية في المنفى أو السجن. أما اليوم، فبات العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وسمير جعجع رئيس كتلة نيابية ووزارية، وثمة منتسبون إلى الحزبين يمثلون زحلة، سواء في المجلس النيابي أو الحكومة.
المطران عصام درويش الذي عانى الأمرّين في بداية ولايته، نتيجة حملة القوات اللبنانية عليه، لا لشيء سوى أنه سوريّ الجنسية، قرر المزايدة على القوات والكتائب، فحوّل مطرانيته إلى منبر للتشكيك بلبنانية من مضى على تجنيسهم أكثر من عشرين عاماً، والمطالبة بعزل زحلة وتقسيمها. واللافت أن حزبَي الكتائب والقوات، اللذين فاز 4 من نوابهما في الانتخابات الأخيرة في زحلة بأصوات تيار المستقبل، وبأصوات المجنّسين، هذان الحزبان شاركا أمس، بقوة، في اللقاء الذي رعاه درويش، للمطالبة بإقصاء المجنّسين عن القضاء. وبعدما كان نقل سجلات نفوس عدد كبير من الناخبين إلى قضاء زحلة قبل انتخابات عام 2009، محموداً من القوات والكتائب، شارك الحزبان أمس في الشكوى من هذه القضية! وأبعد من ذلك، طالبا مع المطالبين ببناء جدار إداري ــ انتخابي يعزل مدينة زحلة عن سائر بلدات القضاء.

استفاد القوات والكتائب من نقل النفوس وأصوات التجنيس في
الانتخابات الأخيرة


لقاء سيدة النجاة أمس ضمّ جميع الفعاليات التي تدور بفلك القوات اللبنانية في المدينة، إضافة إلى القوات نفسها والكتائب والتيار الوطني الحر ورئيس المجلس البلدي أسعد زغيب والسيد ميشال سكاف، في استبعاد واضح لرئيسة الكتلة الشعبية السيدة ميريام سكاف، لأن المجتمعين لا يريدون سماع أكثر من رأي واحد: رأيهم. فعلى وقع تهديدات زغيب بإقفال الأسواق والاعتصام (لأسباب مجهولة طبعاً ولن تؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بالتجار)، أصدر المجتمعون برعاية المطران درويش بياناً ضمّنوه ثماني نقاط، أبرزها العودة إلى حل «مشكلة» المجنسين، والذين نُقِلَت سجلات نفوسهم إلى زحلة، والمطالبة بإعادة النظر بما سمَّوه «البُعد الجغرافي»: «إذ ليس من الضرورة أو الإلزام الربط بين القضاء في بعده الإداري والدائرة في بعدها الانتخابي»، والمقصود طبعاً هو تقطيع أوصال قضاء زحلة بحيث يُقسّم إلى دائرتين: واحدة للمسلمين بصريح العبارة، وأخرى للمسيحيين (أو دائرة للمسيحيين، على أن تُلحَق بلدات ذات غالبية إسلامية بدائرة البقاع الغربي راشيا). علماً أن المقررات نفسها شددت على أهمية العيش المشترك وغيره من «أبيات» الزجل اللبناني. وفي السياق نفسه طالبوا بإعادة النظر بدائرة زحلة الانتخابية «بما يعيد التوازن الانتخابي بين العائلات الروحية»، علماً أن جميع الأرقام تبين أن هناك توازناً انتخابياً في زحلة، لكن تقاسم التيار والقوات والكتلة الشعبية والكتائب لأصوات الناخبين في مناطق نفوذهم يؤدي إلى ترجيح تيار المستقبل كفة فريق على أخرى، في النظام الأكثري. والواضح في هذا السياق أن الاجتماع الذي استبقت المصادر انعقاده بالتأكيد أن هدفه رفض ضم دائرة زحلة إلى دائرة البقاع الغربي بسبب زرع أوهام مذهبية خاطئة في رأس البعض، حاد بسرعة عن هدفه، وانشغل عن مناقشة القوانين الانتخابية المطروحة بالعودة إلى طرح مماثل لطرح اللقاء الأرثوذكسي الانتخابي. وقبل ليلة من انعقاد اللقاء، آثر حزب الكتائب رفع سقف خطابه لفرض رؤيته التي تمثلت بتوصية تقول بوجوب حلّ قضية المجنسين. و«هذه المشكلة»، وفقاً للكتائب، «لم تنشأ بسبب متغيرات طبيعية، بل نتيجة شحطة قلم في عام 1994، وهو ما أخلّ بكل توازن القضاء. والبداية تكون بإعادة هذا التوازن، فالأزمة ليست مذهبية، بل تتعلق بدائرة زحلة غير المتوازنة، والحل لا يكون أبداً بتصويت المسيحي للمسيحي والمسلم للمسلم، بل بإعادة النظرة بقضية نقل النفوس العشوائي الذي حصل». وبحسب مصادر المجتمعين، فإن الواقع يتجلى بالتالي: «يشكل المجنسون اليوم نحو 15% من مجموع المقترعين في زحلة، ومعظمهم من غير المقيمين في القضاء، ولا يأتون إليه إلا في يوم الانتخابات، وهو ما أدى إلى تعطيل الانتخابات البلديات في ثلاث بلدات: تربل وجديتا وتعنايل، نتيجة تفوق عدد المجنسين المسجلين في السجلات على عدد أهاليها». ويُطرح هنا سؤال يبقى بلا إجابة: لماذا لم يُثَر ملفا النازحين ونقل سجلات النفوس حساسية القوات والكتائب قبل انتخابات عام 2009؟ لا شيء، إلا لأن هذه الأصوات كانت ستصبّ في مصلحة الحزبين. وإذا جرى التسليم جدلاً بأحقية طرح ملفي النازحين ونقل سجلات النفوس إلى المدينة، فلماذا طرح شعارات «تقسيمية»، كالمشروع الذي سلّمه المطران درويش لوزير الإعلام ملحم رياشي في شباط الماضي، والذي يقضي بوضع حدود جديدة لدائرة زحلة الانتخابية، هي طريق الشام؟ فهذا الطرح لا يستهدف المجنسين، ولا من نُقَِلت سجلات نفوسهم قبل 8 سنوات، بل بلدات هي جزء لا يتجزّأ من نسيج البقاع الأوسط، وعلى رأسها بلدتا قب الياس ومجدل عنجر.
وتجدر الإشارة إلى أن المجتمعين قرروا عقد لقاء ثانٍ يوم الخميس ٢٧ نيسان الجاري، على أن يكون مُوسّعاً أكثر من لقاء يوم أمس.
(الأخبار)